همجية الفرح وصلت إلى الجامعات!
د. امل نصير
07-05-2013 09:39 PM
طالعتنا وسائل الإعلام أمس بخبر إطلاق أحدهم النار في الجامعة الهاشمية فرحا بنجاح صديقه في مشروع التخرج!!
إنها لمفارقة عجيبة في إصرار الإنسان على تحويل الفرح إلى حزن، والحياة إلى موت، والمفارقة الأكبر سكوت الجهات المعنية، وتساهلها مع هؤلاء، وهي التي تحدثنا كل يوم عن حماية المواطن، ونعمة الأمن والأمان!
في كل موسم من مواسم الفرح في وطني يسقط ضحايا لهذا الفرح، ويسقط ضحايا لحب بعضنا بعضا، أخ يفرح لتخرج أخته فيقتلها فرحا وحبا! وشاب نجح في التوجيهي فقتل طفلا آخر برئيا لا علاقة له بهذه المناسبة! وشاب تزوج، فقتل الفَرحون من أهله امرأة آمنة في بيتها!
أتساءل دائما ما هي العلاقة المنطقية بين إطلاق الأعيرة النارية والفرح، فلا أجد؛ لأنه من غير المنطق أن تكون هناك علاقة بين شعورنا بالسعادة، وإزعاج الآخرين وترويعهم، وقتلهم، بل هي من أسوأ العادات التي ورثناها عن أجدادنا؛ إذ يُعتقد أنهم اعتادوا أن يطلقوا الرصاص لإعلام الآخرين بوجود مناسبة لديهم، أما اليوم، فأصبحت لغة الرصاص هي المعبّر عن حالة الفرح ذاتها! مع أنه لدينا وسائل أخرى كثيرة للتعبير عنه أقل همجية، وصخبا، وإزعاجا للآخرين.
في أحد الأفراح خرج شابان دون العشرين فجأة يحملان سلاحا وبدأا بإطلاق النار في كل اتجاه، وكأنهما يتنافسان في ذلك، بل كأنهما في ساحة معركة، والأطفال من حولهما يتراكضون في مكان ضيق ومزدحم، فماذا لو زلت يد أحدهما أو تعثر أحد الصغار المتراكضين بأحدهما؟!
دائرة الإفتاء تدخلت وقالت قولها في هذه العادة المتخلّفة بأنها حرام، ولا تجوز شرعا لما فيها من تخويف وأذى للآخرين، وقالوا إذا كان الرسول عليه السلام نهى عن حمل السلاح مكشوفا خشية أن يؤذي الآخرين عن طريق الخطأ، ونهى عن الإشارة بالسلاح إلى المواطن خشية أن تزّل يداه، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلا، ويتسبب بأذى للآخرين؟!
إن تساهل الحكومة مع هكذا نوع من القتل جعل الناس يتمادون، بل ويخترعون وسائل جديدة في همجنة الأفراح من مثل مواكب السيارات المخالفة لكل قواعد السير من سرعة وتزاحم... وتدلي الأجساد من نوافذها، وخروج الرؤوس من سقوفها، وإزعاج الآخرين بزواميرها! إذ التلوث الضوضائي لا يقل خطورة عن أنواع التلوث الأخرى، فنحن لسنا بحاجة إلى ما يصم ّأسماعنا، ويرهق تفكيرنا، ويفزّع أطفالنا.
إذا كان الواحد منا لا يفهم، ولا يريد أن يفهم، وإذا كنا لم نستوعب بعد مخاطر هذه العادة السلبية، واذا وصلت اللامسؤولية ببعض الأهل إلى تسليم أبنائهم السلاح ليقتلوا به أفراحهم وأفراح غيرهم، ويغتالوا الأمان في بيوتنا، فأين دور الحكومة في ذلك كله؟! لماذا لا تتعامل معهم مثلما تتعامل –مثلا- مع كثير من مخالفات السير التي نشك أحيانا أننا اقترفناها، ولا نعرف متى وأين؟! أو مثل تعاملها مع تجار البسطات وما تقوم به من إجبارهم على قطع أرزاقهم وأرزاق أسرهم مقابل تطبيق القانون.... إلخ من التعامل مع كثير من المخالفات من فرض الغرامات، أو حتى الإيداع في السجن.
إن عادة إطلاق العيارات النارية هي أسوأ وسيلة للتعبير عن الفرح، وخطر لا مبرر له، وسلوك غير حضاري، ولا بد من إيجاد إجراءات صارمة في التشريع والتطبيق للخلاص منها.