العنف في الاردن و النموذج الغائب
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
07-05-2013 04:22 PM
لقد كتب الكثير في موضوع العنف و خصوصا العنف الجامعي و الذي في جوهره انعكاس لحالة مجتمعية دخيلة و ارجو من الله عز و جل ان تكون ظرفية. فالعنف بكل اشكاله هو سلوك عدواني سواء كان ايمائيا (النظرة الطويلة اوالجحرة) او لفظيا (السباب و التذمر) او مهاريا او حركيا (الضرب و تخريب الممتلكات). و اي مما سبق قد ينتهي بازهاق ارواح و مشاكل اكبر.
موضوع النموذج لم يأخذ حقه من البحث و الكتابه و لذا اسمحوا لي بالقاء الضوء عليه لاهميته. الافراد و الاسر و العشائر و حتى الدول و المجتمعات تبحث عن نموذج تقتدي به. في المجتمع الاردني سابقا في الستينيات و السبعينيات كان هنالك نموذجين: المعلم و كبير العشيره. الاول كان يمتاز دائما باللباس الافرنجي الدارج حاليا مع اهتمام كبير بمظهره و هندامه و تخرج منه الكلمات و الجمل بلغه عربيه فصيحه و في فحواها اعلاء للتسامح و الحوار و نقد للعنف. اما الثاني كبير العشيره فيعلو مقامه بقدر ما يتمتع به من اخلاق اصيله مثل التسامح و السير في الاصلاح. و عندما تمدح عشيره و تصل لاعلى درجات المدح يقال عنها بالمصطلح الدارج (فكاكين نشب) و المقصود الاصلاح و منع العنف و الايذاء.
في عقد الثمانينات و التسعينيات اصبح النموذج المجتمعي طلاب الجامعات و الاكاديميين دون الغاء لدور المعلم وكبراء العشائر و لكن اضعاف تأثيرهم. و اجتهادي ان السبب هو انتشار التعليم و القفزات التكنولوجيه التي وضعت طالب الجامعه في معرفه للحياه و العالم و اطلاع اكثر من الكبار و الذين هم من سهلوا لابنائهم دخول الجامعات طبعا برعايه و دعم من الدوله و هذه يجب ان تسجل لهم و للدوله و للرواد الاوائل فما نحن به الان و نتبطر عليه ان صح التعبير هو ثمرة جهود و عرق المؤسسين الذين انكروا الذات لننعم بما نحن به من نور العلم و المعرفه و المؤسسات الجامعيه و الصحيه.
مع الانتشار الواسع للجامعات و التدريس الجامعي و مع تزايد حرية الكلام و النقد وجب البحث عن نموذج جديد و في تقديري ان المسؤولين و خصوصا النواب الذي خرجوا من رحم المجتمع و الاكثر تواصلا اصبحوا يشكلوا جزءا مهما من النموذج الغائب او المغيب لذا ما زال الاردنيون يتغنون ببرلمان التسعين. الخطيئه الكبرى ان عدد محدود من النواب لم يدرك اهميته كنموذج و فشل في تقدير ذاته و اصبح تصرفه يمتاز بالعنف الايمائي و اللفظي و للاسف وصل للعنف الحركي او المهاري. الخطيئه الاكبر انه لم يوضع حد واضح و قوي و صريح لهولاء وفق القانون و الانظمه الداخليه حتي وصلت ببعض النواب لتكسير مايكرفونات و ضرب لزملائهم و استعمال الفاظ نابيه دون حسيب او رقيب و اعطوا الانطباع ان من يمارس العنف قد امن العقاب. بالتأكيد ان الغالبيه العظمى من النواب كانوا على قدر المسؤوليه و مارسوا الحوار الراقي المتمدن و اعلوا من قيمة الحوار و احترام الرأي الاخر و لكن للاسف ان الماده الاعلاميه الاكثر رواجا هي للقله غير المنظبطه.
هل كان غياب او تغييب النموذج صدفه او مخطط. لا املك الاجابه و لكن بالتأكيد ان اعلاء قيمة اشخاص لا يملكون قيما اخلاقيه عاليه على حساب اقرانهم من نفس العشائر و المناطق ممن يملكون القيم الاخلاقيه و الكفاءه اما خطأ او خطيئه.
كلنا متفقين على ان ضعف هيبة القانون و عدم تطبيقه بعداله و الظرف التي تعيشها المنطقه ادى الى خروج اسوأ ما في البعض و الذين بدورهم امنوا العقاب فاساؤوا التصرف. لكن المجتمع باكمله سيتأثر و يضطر في مراحل معينه لاخذ الاسباب التي توفر له الحمايه سواءا العشيره او المنطقه و سنعود للمربع الاول (انا ابن جلا و طلاع الثنايا) بدل التطور الى دوله مدنيه تحل مشاكلها بالقانون و الحوار. كما ان استنزاف القدرات الامنيه و الادوات للحكومه و الدوله في القضايا و الازمات التي تعصف بالمنطقه و محاولة الفاسدين حماية انفسهم بنشر الفوضى سيؤدي الى تفاقم المشكله و استعصائها على الحل.
ما لاحظناه في الازمات الاخيره ان كبار العشائر و المجتمع ككل ممن يرغبون بالاصلاح و فك النشب لا يملكون السلطه الاخلاقيه او المسانده على الصغار ممن تاه بهم الرأي و امنوا العقاب. و بالتالي لا بد من رفع الغطاء عن كل من يمارس العنف سواء غطاء الحصانه او العشيره و مساندة القانون ليطبق بعداله. الفساد لا يبرر الفساد و غياب العداله الاجتماعيه لا يبرر ترويع الناس و تخريب الممتلكات. و لا بد لنا من البحث عن نموذج و اعتقد ان مجتمعنا ملئ باهل الخير و العلم و المعرفه و الاخلاق.
حمى الله الاردن عزيزا حرا امنا و حمى الله اهله من كل سوء.
ناشط سياسي و اجتماعي/جرش