الجامعات والاقتصاد والفرص الضائعة
حسن الشوبكي
07-05-2013 04:33 AM
من حق الرأي العام الأردني أن يسأل عن مشروع الدولة في التعليم؛ ماذا بقي منه؟ فشل، أم تعثر مرحليا؟ وما هي علاقة الشركات والمصانع والجسم الاقتصادي عموما بالجامعات؟ وهل تمكنت جامعاتنا التي انتشرت في كل المدن الأردنية خلال العقدين الأخيرين من تجسير الهوة الاقتصادية بين الفقراء والأغنياء، وبناء طبقة وسطى قادرة على النهوض بالدولة وإنسانها للوصول بالجميع إلى بر الأمان؟
أسئلة تواردت إلى الذهن السبت الماضي وأنا أرقب مدرعات الدرك تغلق بوابة جامعة الحسين بن طلال في معان، فيما الأردنيون مسكونون اليوم بالبحث عن حلول لمأزق اقتتال أبنائهم في الجامعات.
عودة إلى الأسئلة الاقتصادية: فما الحلول التي قدمتها 27 جامعة حكومية وخاصة لإشكالية التنمية البشرية في إطارها المحلي؟ وما القيمة المضافة التي يساهم بها نحو خمسين ألف خريج في سوق العمل والنمو الاقتصادي؟ وإذا كانت الأسئلة بشكلها ومضمونها قريبة من اللون الأسود، فإن الإجابات، في تقديري، أكثر حلكة.
إذ إن القطاع الخاص بمؤسساته التي تجيد دعم إذاعات التعبئة والارتجال عبر رعاية برامج كاملة بمبالغ كبيرة، يعجز عن مد جسور العلاقة مع الجامعات وأساتذتها وطلبتها، بغية الاستفادة من العقول فيها، والتأسيس لبحث علمي يفيد المجتمع والاقتصاد من خلال قنوات إنتاج المعرفة والبحث عن حلول لمشاكلنا الاقتصادية المزمنة. وقد يقول قائل إن ثمة أمثلة على التعاون، وهذا صحيح، ولكنها شحيحة وخجولة.
في الجامعات، كما في الشركات والصناعات الكبيرة، ليس ثمة جهود مشتركة لإيجاد حلول لأزمة الطاقة المستعصية في البلاد، باستثناء بعض جهود دعائية. ومثلها جهود غائبة حيال تحدي شح المياه. فتقف أزماتنا في واد، والمؤسسات الاقتصادية والجامعات والنخب الأكاديمية في واد آخر بسبب العلاقة الغائبة بين مشروع التعليم والحاجة الاقتصادية.
على الورق، وفي مؤتمرات الترف، تطل علينا أهداف حكومية في صفحات الـ"باور بوينت"، تقول إن أهداف التعليم العالي في الأردن تتركز في تشجيع البحث العلمي ودعمه، وربطه بأهداف التنمية الشاملة. لكن هذا الكلام المعسول ليس حقيقيا بعد سنوات من التجريب والفشل. فالخريجون محض عبء اقتصادي، والقطاع العام، ومثله الخاص، أسسا جامعات في معظم أرجاء البلاد بناء على مبررات تشابه مبررات تعيين الوزراء والمسؤولين سابقا؛ وفقا لاعتبارات مناطقية وجهوية، فكان الحصاد ما نراه اليوم. بل إن بعض الجامعات لا يجد رواتب لموظفيه للشهرين المقبلين، فأي مشروع تعليمي هذا الذي ندير؟
ثمة طرف خاسر بالمعنى الاقتصادي وكذلك المعنوي. فالأب الذين يستدين لدفع رسوم ابنه في الجامعة، ويتحمل كل مرارات أعباء التعليم، يحصد ما هو غير مقنع. فثمة خوف على الابن من العنف الذي يلف المشهد التعليمي، والبناء المقلق لهويات فرعية، في موازاة "ماراثون" لاحق يتكفل به الأب أيضا للبحث عن فرصة عمل للابن بعد أن ينضم إلى طوابير الخريجين العاطلين عن العمل.
وفي غمرة الخسارة الاقتصادية، علينا الوقوف أمام عدد الطلبة الوافدين، والبالغ 25 ألف طالب وطالبة، لنفكر مليا بأثر ما يحدث في جامعاتنا من عبث على صعيد تقليص أعداد هؤلاء الطلبة في السنوات المقبلة.
حجم الخسارة الاقتصادية واضح وعميق، والجامعات غير مستقلة إلى حد كبير، وجيل الشباب فيها يتعرض لانتكاسة خطيرة، تستدعي وقفة جادة وصادقة تعيد بناء مشروع التعليم برمته، وبالتالي إعادة بناء الطبقة الوسطى وتجسير الهوة الاقتصادية بين الفقراء والأغنياء، بعيدا عن خديعة الـ"باور بوينت" إياها.
الأردن لديه فرص حقيقية، ويستحق منا الأفضل؛ وتشخيص أمراض التعليم الجامعي ما يزال في طور المناورة والمشاغلة فقط.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد