يعّبر أردنيون يعملون ويقيمون في الخارج، عن خوفهم وقلقهم من مجريات أحداث العنف المحلية التي تتجلى كل مرة بشكل مختلف. وردود أفعال هؤلاء تتفاوت، لكنها تصل عند البعض حد الخوف من العودة إلى البلد، حتى بداعي الزيارة الصيفية.
المغتربون يشرحون حالة التردد وعدم الطمأنينة التي تلمّ بهم كلما سمعوا أو قرأوا أو شاهدوا ما يحدث. والشعور نفسه يتولد لدى الأردنيين في الوطن؛ خوفا من الحاضر، وقلقا على المستقبل.
المخاوف من تفجر الوضع طبيعية، وتأتي نتيجة غياب الاستراتيجيات، ما يهدد بتقليص قيمة الحوالات الخارجية.
ورغم خطورة تداعيات ما جرى في جامعة الحسين بن طلال على السِلْم المجتمعي، واتساع مدى القلق من تطورات غير محسوبة، إلا أن المخاطر لا تتوقف عند هذا الحد؛ بل تمتد لتضرب سمعة البيئة الاستثمارية بقسوة.
الأمن والأمان كانا الميزة النسبية الرئيسة الجاذبة للاستثمار، ولطالما لعب هذان العاملان دورا كبيرا في جلب الاستثمارات واستقطاب رؤوس الأموال الأردنية وغيرها من الخارج. وفي ذلك أهمية كبيرة؛ كون الاستثمار يعد الحل الأخير لمشاكل البلد الاقتصادية، وتحديدا لمشكلتي الفقر والبطالة.
الحفاظ على هذه الأجواء المريحة كان تحديا، يبدو أن الفشل كان حليفه! فالإبقاء على "تنافسيتنا الأمنية" كان يحتاج أكثر بكثير مما قدمت الحكومات؛ من خلال إجراءات وأجواء مواتية تتجاوز قوانين الاستثمار المؤجلة.
يزداد الوضع تعقيدا مع تصاعد العنف الذي يعصف بالمجتمع منذ سنوات، وغياب الدولة نتيجة تهرّب رسمي من دفع استحقاقات حل المشكلة، بالتزامن مع التنصل من تطبيق القانون.
الحال التي بلغناها بحاجة إلى إعلان حالة طوارئ، ودق ناقوس الخطر للبدء بمراجعة ما مضى، ومحاولة معالجة الواقع؛ لتجنب إحجام المستثمرين عن القدوم إلى الأردن، وطمأنة الأردنيين في الداخل والخارج، والتقليل من مخاوفهم.
الضرر يتسع ليطال القطاع السياحي بكل تفاصيله. فازدهار هذا القطاع بالتحديد يرتبط بعلاقة عكسية مع اتساع دائرة العنف المتكرر الذي يتفشى ولا يجد رادعا.
أنواع السياحة التي تدفع كلفا مباشرة مختلفة، ومنها السياحة التعليمية، خصوصا ما يتعلق بالتعليم العالي الذي يورّد عملات صعبة. هذا عدا عن السياحة العلاجية، وكذلك الدينية التي تؤذيها عدوى المواقف الطائفية التي بدأنا نشهدها في بلدنا في الآونة الأخيرة.
بعد كل هذا العنف ما نزال نفكر في جذب الاستثمار والتنمية، لكن كيف؟
إقليميا، الوضع ليس أفضل حالا؛ فالمنطقة تعيش حالة من العنف والاقتتال غير مسبوقة. وهذا العنصر كفيل بجعل المستثمر يفكر ألف مرة قبل أن يقرر العمل في الشرق الوسط. والأردن متضرر من غليان الإقليم، كونه واقعا بين حربين أهليتين، واحدة شمالا في سورية، والثانية شرقا بعد أن تطورت الحالة في العراق لحدود خطيرة.
كلنا خاسرون طالما أن ماكينة الحد من العنف، بكل عناصرها، متعطلة؛ بدءا من تطبيق القانون، وتغليظ العقوبات. وكلنا مخطئون ونتحمل مسؤولية ما حدث. فبعد أن كان الأردن أنموذجا، عاد إلى مرحلة ما قبل الدولة، حيث الكل يتحارب ويتقاتل، ربما لفقدان الثقة بالمؤسسات، بعد أن تخلت الحكومات عن مسؤولياتها، وفشلت في وضع بديل اقتصادي مقبول من المجتمع.
أغلب الظن أن الأردنيين جميعا خائفون من حاضرهم وقلقون، لا بل مرعوبون من القادم؛ فمن يسحب فتيل الخوف والقلق، ويحاول إعادة الأمور إلى نصابها؟
بعد كل ما ارتُكب من أخطاء، وكل السوء الذي بلغناه، ما يزال المسؤولون يتحدثون عن توزيع مكتسبات التنمية، وإقامة المشاريع في الأطراف، ولا أظن أن القدرة موجودة لمعالجة حالة الاهتراء التي لحقت بكل شيء!
الغد