نجحت أوساط الدولة في استنساخ سياسة توليد الازمات , بحيث تقوم الازمة الجديدة بطرد سابقتها , وعبرت البلد مرحلة حرجة تبدّى للمتابع ان مرحلة الربيع العربي مرّت دون اضرار ودون كُلفة , ولم ينتبه احد من اركان “ السيستم “ الى عمق تراكم الازمات والى مقدار الجرف الانهدامي في علاقة الدولة مع المواطن وانعكاس ذلك على هيبة الدولة والثقة بمخرجاتها وقراراتها , ودون قراءة محاذير انفجار الازمات دفعة واحدة , فالترحيل لا يعني الحل بأي حال , فكل ازمة فيها من سابقتها الكثير وكل توليد جديد كان يحمل جينات السابق , الى ان تم تخليق كائن غرائبي من الازمات بدأ يلتهم كل ما امامه وتحديدا اضلع الشباب الجامعي الطرية ولحمهم الغضّ , ولم يعد مقبولا او مفيدا توليد ازمة جديدة تستطيع التهام هذا الكائن الغرائبي المعجون من الازمات او من طينتها التي تصلّبت بفعل التراكم والحرارة الداخلية والحرارة القادمة من الاقليم الملتهب .
وباتت الازمات هجينة على المجتمع الاردني رغم انها تحمل سماته وكأنها كائنات فيروسية تم تخليقها في مختبرات كيماوية كتلك التي نسمع عنها في اطوار الانفلونزا “ من خنازير وطيور “ او السايرس , فلا احد يمتلك الحل ولا الجسم قابل للحلول التقليدية او كبسولات الشطّار من اركان السيستم ولم تعد الفهلوة قادرة على استنبات علاج جديد سوى المواجهة المتأخرة للمرض العام الذي اصاب كل اطراف السيستم واركانه واعصابه الحساسة , فتيبست الاطراف وزادت سماكة الجلد وقلّ منسوب الاحساس بالوخز المجتمعي وضرباته الطرية في بداية الازمة والتي كانت تنتظر تركيبة بسيطة تمنح الجسد الوطني مناعة مكونة من هيبة في محاربة الفساد وأزلامه وخطوات حقيقية نحو الاصلاح السياسي التدريجي وتوزيع عوائد الدولة بعدالة بين الاطراف والمركز .
الازمة باتت من طراز الهايبرد , فلا تخفيض اسعار البترول يجديها نفعا ولا السير على الكهرباء يمكن ان يسارع في دوران العجلة نحو الامام , فقد بات المواطن محاصرا بالشك والشكوك في كل ما يجري ولم تعد اجهزة قياس الثقة الداخلية تتحرك عند ملامستها لعقل المواطن , فالمؤشر ينحسر والتراجع سيد المرحلة , ولا ادوات عند السيستم موثوقة تمكّنه الحصول على عطوة او مهلة شعبية .
وكشفت أزمة جامعة الحسين ودم الضحايا , عن سوّية اركان السيستم وكيف تفاعلت معها النخبة السياسية بدم بارد , ومارست اركان الدولة يومها الاعتيادي وكأن الدم السائل ليس من اوردتنا , وانغمس رجالات الدولة في طلب العرائس والسفر الى بلاد المياه الدافئة وبقي الرهان محصورا في ازمة تُنهي سابقتها دون قراءة لتداعيات الازمة وتفاعلاتها المدوية شمالا وجنوبا .
العنف الاجتماعي الضارب شرقا وغربا , هو نتيجة لاسباب مريرة عاشها الشارع الاردني طوال اعوام من التسويف والانقلاب على التوافقات الاجتماعية والسياسية والمماطلة في محاسبة الفاسدين واسترداد المال العام , وهو نتيجة لغفلة السيستم عن الاوجاع الصادقة التي يعانيها المواطن الاردني الذي اجتاحه كل الغضب دفعة واحدة ولم يعد هناك ارض تحتمل تفريغ شحناته الزائدة , وصار العنف مسلسلا طويلا ووصل الاضراب حتى ساحات المحاكم .
سلة الازمات طافت بحمولتها الزائدة ولم يعد المواطن قادرا على احتمال ازمة جديدة تنسيه او تلهيه عن الازمة السابقة وبات البلد امام امتحان صعب واسئلة مطلوب الاجابة عنها دفعة واحدة , دون تأخير او ابطاء ولا بديل عن الاجابات المقنعة والمكاشفة الحقيقية ومن ثم فتح صفحة جديدة بأدوات جديدة غير قابلة للطي او التسلل الى مربع الازمة الاول , ثمة طاقة فرج واحدة تحتاج الى جرأة من الدولة كي تخرج من مصاف الفشل الى مصاف المحاولة الناجحة وهي الاعتراف بالخطأ والالتزام بجبر الضرر ومن ثم المصالحة الشاملة , فهل يفعلها السيستم ويصارح الاردنيين ويعوّض صبرهم خيرا؟.
omarkallab@yahoo.com
الدستور