عين ابن آدم لا يملؤها إلا التراب!، هكذا يروجون لكل من يمتلك شهية عرمرمية مفتوحة على مصراعيها لمزيد من ابتلاع الأشياء، فلكل شيء حدود إلا الشبع لا حدَّ له!، ويُحكى أن دواجاً (تاجرا جوّالاً) تحدى قرية بكاملها، على أن يملأوا سطلاً كان معه (السطل وعاء معدني صغير)، يملئونه قمحاً أو شعيراً، ومن يفعل ذلك فله مائة ذهبية حلالاً زلالاً!!. السطل كانت له خاصية غريبة عجيبة!!، فهو يبلع كل شيء، وأي شيء، ولا يمتلئ بتاتاً، ولهذا فقد باءت بالقشل جهود الفلاحين الذين سارعوا بدلق مؤنتهم من القمح والشعير طمعاً بالذهب، وظل السطل الشره فارغاً!!.
تنبه شيخ عجوز إلى الأمر، فتفحص السطل ملياً، لمح عيناً بشرية مرسومة في قاعه، فلمعت برأسه الفكرة!، فقبض بكفه حفنة تراب، وألقمها لتلك العين ثم ملؤه بالقمح فامتلأ: فعين ابن آدم لا يملؤها إلا التراب!.. هكذا تمتم العجوز.
وإذا كان الدّواج الماكر استغل قدرة العين العجيبة لسرقة قمح القرية وشعيرها، فعينا الخُرج قادرتان على ابتلاع مشاريع الناس، وشكواهم وخططهم وأفكارهم وأحلامهم، والخُرج أيها الصحب، لمن لا يعرفه، هو وعاء من الشعر أو الجلد أو الصوف، يوضع على ظهر الدابة: الفرس أو الحمار أو البغل؛ ليحوي الأمتعة والطعام والشراب، وكذلك ليحوي الأشياء المرشحة للطمس في بحور النسيان، وكل جهة من جهتي الخرج تسمى عيناً!!!.
وإذا كان لا بد للفارس من سرج، ليرتاح في ركبته على دابته، فلا بدَّ له أيضاً من خرج، يحمل به زاده وزوادته.. وللخُرج مآرب أخرى!!، فيصدف أن يواجهه الفارس رجلاً يريد أن يوصل شيئاً إلى أهله في القرية المجاورة، ويصدف أن يكون الفارس مكدر المزاج، فيقول له: حُط بالخُرج، وعندما يغيب عن العين، يرمي بحاجة الرجل، فقد قال كلمته (حط بالخُرج) لتخلص من الحرج!!.
الخُرج تماماً هو كسلة المهملات التي على سطح المكتب، في كمبيوتراتنا الشخصية، فكل شيء لا نريده أو يزعجنا، أو نريد إتلافه، ننقله إلى هذه السلة، التي نتلف محتوياتها بين الحين والحين!.
فالزوج المسالم الذي يمشي الحيط الحيط ويطلب الستر، والذي تلح عليه الزوجة بالطلبات، سيهز رأسه موافقاً، ثم يهمس في نفسه: حط بالخُرج!!، وكذلك الوزير الذي تواجهه مئات الاقتراحات والمشاريع، والذي يريد أن يعد الأيام، دون عمل أو كد، ما عليه إلا أن يقول: حط بالخُرج!، كذلك النائب.. ورئيس البلدية.. والكاتب والصحفي...
خُرجنا متخم بالمشاريع الطموحات، والخطط الخمسية والعشرية، والسنوية والشهرية، ويعج بالأفكار، والدراسات والشكاوي، لكن ما نخشاه أن هذا الخُرج ليست به عين بشرية، قد تملؤها حفنة صغيرة من التراب، ما أخشاه أن يربط مباشرة بمثلث برمودا!!، حيث الداخل للابد مفقود: فهل نتخلص من هذه السياسة ونبدأ العمل؟؟!!.
.ramzi972@hotmail.com