منذ بداية ما يعرف بـ"الربيع العربي"، ويدي على قلبي بأن يتحول ربيعنا لخريف، وتمطر السماء أخبارا سوداء نتيجة ما يحصل في المنطقة.
لا يعني ذالك أنني ضد الحريات العامة، أو مؤيد لأنظمة عربية سقطت نتيجة طغيانها وتجبرها، وحجز الحريات العامة، وتوسع قاعدة الفساد والإفساد لديها، وتبعيتها لأميركا وحليفتها إسرائيل.
لست ضد الثورات الشعبية التي حصلت ومطالبها بالإصلاح والحرية، ولكني ضد سرقتها وإبعادها عن حياديتها وهدفها الذي حصلت من أجله.
الثورات لا تعني استقدام المحتل، ولا أؤمن بأية ثورة تستعين بقوات أجنبية لاحتلال بلدها تحت ذريعة طغيان وتجبر الفئة الحاكمة، وإنما الثورات بالنسبة لي تقوم بسواعد أبنائها، وبتنظيم سلمي عقلاني يقوم على مبدأ الديمقراطية والدولة المدنية.
للأسف فان "ربيعنا" الذي طالت فترته لا يؤمن صنّاعه بالدولة المدنية، ولا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان، ولا بالتداول السلمي للسلطة، ويعتمد نغمة الانتقام أساسا للعمل والتصفية أساسا للحياة، والفتنة المذهبية والطائفية والجهوية أساسا للتواصل مع الآخرين، ولذلك فإنني أؤيد الثورات السلمية، والديمقراطية، وأرفض كل استبداد وكل مستبد حاكما كان أو أية جهة أخرى.
لست مع الثورات المسلحة التي يصفي فيها الشعب نفسه، وتعمل فئة ضد أخرى قتلا وتنكيلا، وتسلب فئة أخرى حرية الآخرين وحقهم في التعبير، وتنتقم فئة من أخرى في ظل حسابات ضيقة، وترفض فئة حرية الفرد في القول وتسجن الفنانين، والمغردين، وتحرم أعمالهم وتعتبر الإلهام والإبداع والرسم والفن رجس من عمل الشيطان، يتوجب اجتنابه.
حصل ما حصل، وتدثر البعض بالحريات العامة ومحاربة الفساد، ووصل للسلطة، والبعض الآخر ما يزال يحاول وفئة أخرى وقعت في نقطة اللاعودة.
"ربيعنا العربي" الذي ولد بثورات شعبية راقية، ودفعتنا للوقوف معها انبهارا، خُطف من قبل جهات لا تعرف من الديمقراطية إلا اسمها ومن الحرية إلا حروفها، وتلك الجهات باتت أدوات بأيدي جهات اكبر منها نفوذا، وأعظم منها مالا، وأكثر منها انتشارا عبر قنوات إعلامية تقلب الأبيض أسود والأسود أحمر، ولديها المكنة، والاستعداد لقلب الحقائق رأسا على عقب.
ماذا أنتج لنا "الربيع العربي" (حسب المسمى الأميركي)؛ ولّد ثورات في تونس وليبيا واليمن والبحرين، وسورية، ومصر، والعراق، بعضها نجح في قلب أنظمة الحكم كليبيا ومصر وتونس وبعضها ارتضي بالعزل السلمي كاليمن وبعضها تحول لثورات مسلحة.
في النتيجة ماذا جرى، دخلنا في مشاكل طائفية ومذهبية لا تحصى، مثال مصر، العراق، سورية، وربما لبنان. بعد ذلك ماذا جرى لاحقا، بات الحديث عن احتلال "الناتو" لدول عربية أمرا طبيعيا مقبولا من البعض، ومرحبا به من البعض الآخر، وبات من يعارض ذالك كأنه يؤيد قتل الأطفال والرضع، والشيوخ، ومن يدعو للعقل كأنه يؤيد الأنظمة ووجب عليه القصاص.
لا عجب، فخلال عامين استطاعت قنوات إعلامية عالمية وعربية قلب الحقائق في دماغ المواطن العربي الذي يعتمد أكثر ما يعتمد على المشاهدة وينفعل مع الأحداث، فبات الحديث عن تدخل "أطلسي" هنا أو هناك امرا عاديا والتبرير بطبيعة الحار هو مساعدة "شعب مسكين واقع تحت نير جلاده!!".
بتنا نجيز ضرب قوات الناتو عواصمنا العربية بمعونة عربية أحيانا، وتأييد من الجامعة العربية في أحايين أخرى، فلم يصبح لتلك الجامعة هدف إلا تسهيل المهمة لتلك القوات للوصول لأهدافها في قلب عواصمنا العربية.
ماذا كانت النتيجة لاحقا، كان الحديث عن مبادرة عربية برعاية من الجامعة العربية نفسها، مفادها مبادلة أراضٍ محتلة عام 1967 بأراض محتلة عام 1948، بمعنى أن خريطة المنطقة في طور التغيير من جديد، ونحن بتنا مقبلين أكثر من أي وقت مضى على سايكس بيكو (2) في المنطقة، يكبّر دولا لصالح دول، ويقتطع مناطق لصالح أخرى وبما يهدف في النهاية للحفاظ على وجود كيان زرع في أجسادنا ترعاه أميركا وحلفاؤها في المنطقة، اسمه إسرائيل.
"الغد"