مع مرور السنين تتأكد الحقائق على أرض الواقع؛ بأننا فشلنا في تحصين مجتمعاتنا من التفكك، بل على العكس من ذلك، نكتشف أننا قد سرّعنا بها للعودة لمرحلة ما قبل الدولة.
والأحداث الأخيرة في معان تؤكد ذلك، وثمة إصرارعلى المضي بسياسة الفشل تلك، إذ لم يعد في المجتمع الأردني وسطاء بين الدولة والمجتمع. وفكرة الوسطاء ليست فكرة طارئة أو فكرة رجعية أو فكرة خارج التاريخ، بل هي فكرة أصيلة في تكوين المجتمع وجزء أساسي من استمراره وديمومته، ويعبَّر عنها بشكل آخر في المجتمعات الديمقراطية بالأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، أو أي شكل يتفق عليه المجتمع لحل المشاكل التي تعترضه وتعبر في الوقت ذاته عن طموحات وأفكار ناسه.وهذا يعيدنا إلى المربع الأول في سياسة ومنهج إلغاء فكرة الوسطاء واستبدالها بمجموعات انتهازية نفعية، حتى إن كانت من المجتمع نفسه، ذلك أن هذه المجموعات التي تم إنشاؤها لا تلقى أي قبول شعبي من الناس، ما جعلها جزءا من مشكلة العنف الاجتماعي الذي أصبح يقلق الجميع.البعض من المثقفين والسياسيين وغيرهم من المريدين لأفكارهم، يصر على أن يضع رأسه في الأرض كالنعامة، عندما يتم الحديث عن أن السياسات التي انتهجت على مدى سنوات طويلة قد أسهمت في تفكيك المجتمع، وأن قانون الصوت الواحد، ووجود حفنة من الأشخاص تتحكم بالقرار الاقتصادي في الدولة، قد أديا إلى النتائج التي نراها اليوم، من غياب الثقة في قدرة الدولة على تحقيق الحد الأدنى من العدل وبالتالي الأمن.
نحن على أعتاب مرحلة مقبلة عنوانها، لا سلطة لأحد على أحد، وهنا مكمن الخطر. وتلك الحالة ليست حالة أردنية بالمناسبة، بل هي حالة عربية، نشهد فيها تفكيك المجتمعات في لبنان ومصر وسورية وتونس، نتيجة للإخفاق في بناء دولة وطنية يكون الجميع فيها شركاء، ويكون هنالك ممثلون حقيقيون للناس يعبّرون عنهم في دوائر صنع القرار السياسي.
ما حدث في جامعة الحسين وما تبعه من أحداث في باقي محافظة معان، وضعنا على مفترق طريق يستدعي إعادة النظر في مجمل سياساتنا العامة التي حققت إخفاقاً منقطع النظير في استيعاب الدروس التي مرت بنا سابقا، ولم نفكر حتى هذه اللحظة أن الحلول الترقيعية التي توضع لا يمكن لها أن تشكل حلا لأزمة ممتدة لسنوات طويلة.المطلوب إعادة النظر في مستقبل العلاقة بين الدولة والمجتمع وبين الوسطاء والمجتمع والدولة، والاتفاق على صيغة وطنية تجنبنا الانزلاق لمرحلة ما قبل الدولة التي يسعى إليها كثيرون من المتربصين بنا!
الغد