يبدو أن موجة العنف التي اجتاحت المملكة في الآونة الأخيرة من عنف في بعض الجامعات والمدارس والمستشفيات وبعض الأحياء والشوارع كانت توصف في بعض ثنايها ومضامينها بانها تحمل أبعاداً عشائرية، في خضم كل ذلك تنادى بعض الأشخاص في محافظات المملكة المتعددة إلى المناداة بالعدالة والمساواة حتى وصل الشأن إلى إستخدام القوة المفرطة والتظاهر بشكل غير قانوني وقانوني إلى إن إستقر الرأي لدى البعض في جنوب المملكة بتأسيس وإشهار محافظة البادية الجنوبية !

السؤال المطروح لماذا الآن كل هذا التصلب في الرأي ؟ ولماذا الإصرار على عدم الإنصياع للقانون ؟ ولماذا يطالب أهل البادية بتأسيس محافظة خاصة بهم ؟

من باب الإنصاف وليس دفاعاً عن أهل البادية والجنوب ، وليس تلمساً لمطلب قد يرى به البعض الأحقية ، وليس تجاوزاً للقانون والدستور الأردني ، لكن ومن باب إظهار الحق أود أن أبين الحقيقة الدامغة التي لا يختلف عليها إثنين في أن محافظات المملكة ترزخ تحت وطأة الفقر والبطالة وتحديداً محافظات الجنوب !

لقد نسيت أو تناست الحكومات المتعاقبة محافظات المملكة ، وأصرت في كافة خطاباتها لنيل الثقة أو قانون الموازنة على توزيع مكتسبات التنمية بعدالة ومكافحة الفقر والبطالة والفساد ومحاسبة الفاسدين وإسترداد الحقوق نظرياً ولم تلمس المحافظات هذا القول على أرض الواقع فبقيت المحافظات على حالها دون تقدم ملموس يذكر !

في هذا المقام أود أن أسأل الحكومة الحالية والحكومة السابقة والحكومة القادمة ، ماذا تعرف وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة الثقافة والمالية والسياحة وغيرها من الوزارات عن مناطق المزار الجنوبي ومؤاب والعمرية وأم حماط والفيصلية وعي وذات راس والهاشمية والعمقة وشقيرا والحارثية والحامدية والفرذخ والقويرة ووادي موسى وعلعال ومرو وايدون وكفر يوبا وحرثا وعين جانا والراجب وجديتا وام النعام ورحاب وموبص ويرقا وعيرا والسماكية والثنية والغوير وأذرح والرميلات وبسطة وأم رمانة وغيرها من مناطق وقرى المملكة وهل حظيت هذه المناطق بعشر ما حظيت به مناطق عبدون والصويفية ودير غبار وأم السماق وخلدا وأم أذينة وجبل عمان والشميساني ودابوق وغيرها من مناطق العاصمة عمان !! وأطرح التسـاؤل التالي : هل تم توزيع مكتسبات التنمية بين المزار وعبدون بعدالة ! هل الخدمات المقدمة لسكان محافظات الجنوب تعادل عشر ما تقدم للمواطن في العاصمة عمان !

من أجل توفير الوقت والجهد والكلفة على المطالبين بعقد المؤتمرات والندوات والدراسات للبحث في ظاهرة العنف في المملكة وأسبابها وطرق علاجها ، ولماذا يطالب البعض بتأسيس محافظة البادية الجنوبية فأود الإستناد إلى القول الرائج هنا إلى أنه إذا أردت أن تصف الدواء الصحيح فيجب أن تشخص المرض بالشكل الصحيح ، وغياب العدالة والمساواة وفرض القانون على الجميع هو المرض الحقيقي !

إن العدالة تقتضي أن الجميع تحت القانون فالوزير والنائب والعين هم من المواطنين ، ولا يجوز على سبيل المثال لا الحصر أن تستثنى مركباتهم من المخالفات إبتداءً ، إنتهاءً بدراسة بعض أبنائهم في أعرق الجامعات الغربية وعلى حساب الخزينة ! إنتقالاً على فرض الدواء العادل بتطبيق القانون على جميع الأفراد أياً كان الموقع الوظيفي فالمواطنون تحت القانون سواء ولا تمييز بينهم ! إنتهاء بالتوزيع العادل في الوظائف والمشاريع والنفقات وغيرها من الجوانب المعيشية والحياتية بين كافة مناطق المملكة ، فمعان والكرك واربد والمفرق وجرش وعجلون والعقبة ومادبا والزرقاء والطفيلة محافظات يستوجب على حكوماتنا النظر إليها كما هو الحال للعاصمة عمان ، كما أن العدالة تقتضي توفير الكادر البشري الكفؤ والمؤهل في كافة مناطق المملكة وأن لا يكون الجنوب موقعاً للعقاب أو النفي لبعض المسؤولين فالعاصمة عمان هي للأفضل !

إن الواقع الإقتصادي الصعب ، والفقر والبطالة ، وعدم تحقيق العدالة ، وعدم تطبيق القانون ، والمحاباة والواسطة والفساد ، ووضع الرجل غير المناسب في مواقع القيادة هي من أبرز التحديات والأسباب التي أدت لتفاقم العنف في المملكة ، إضافة إلى الخلل في منظومة التربية والتعليم والنجاح التلقائي ، وسياسات القبول الجامعي ومعدلات القبول ، وغياب الأستاذ الجامعي عن المشهد ، وفقدان التوعية الطلابية ، وفشل مقررات التربية الوطنية والعلوم العسكرية في أداء دورها الحقيقي كمواد تهدف لتعزيز وتجذير مفهوم الوطنية وحب الوطن لدى طلبة الجامعات ، كل هذا ساهم في تفاقم العنف لدى الشباب فأضحى العنف ثقافة ، والقتل مفخرة ، وتجاوز القانون رجولة ، والعشيرة عباءة للتغطية ، والخاسر الأكبر وطناً يقال له الأردن !!