التنمية: صعبة لكنها ليست مستحيلة
جمانة غنيمات
04-05-2013 06:07 AM
يحدثني أحد العاملين في إحدى جهات التمويل الأجنبية، كيف تجهد إدارات هذه الجهات في الحصول على طلبات تمويل لتنفيذ مشاريع في المحافظات المختلفة.
ويقول محدثي إن كثيرا من الجهات التمويلية تعاني من المشكلة ذاتها، ما يؤخر فرص إحداث التنمية المستدامة خارج العاصمة، ويُضعف من وتيرة تقليص فجوة التنمية بين عمان والأطراف.
ربما يقال إن هذه البرامج ممولة من قبل جهات أجنبية لا تعرف البلد وإمكانيات أهلها، لذلك تواجه مثل هذه المشاكل.
لكن الخبير يؤكد أن الجهة التي يعمل لديها عقدت ورش عمل في جميع المحافظات لشرح الفكرة، لكن الأفكار التي قُدمت جاءت محدودة، وغير منسجمة مع قيمة التمويل المتوفر.
المأزق الذي تعيشه هذه الجهات الأجنبية تمر فيه، أيضاً، حكومة د. عبدالله النسور؛ إذ يقول أحد وزرائها إن بالإمكان إنفاق نحو ملياري دولار خلال العام الحالي، على مشاريع كبرى ممولة من المنحة الخليجية، إن سارت الأمور وفق ما هو مخطط لها.
بيد أن الوزير المحتار يطرح سؤال المليون، وهو: كيف بالإمكان إحداث التنمية المطلوبة وبسرعة؟ وما هي القطاعات الاستثمارية التي تملك فرص النجاح، وتقدر على إحداث فرق في مستوى معيشة المواطن؟ خصوصا أن المشاريع الكبرى وإن كانت مهمة للنمو الاقتصادي والتشغيل، إلا أن آثارها المباشرة تحتاج وقتا حتى يستشعرها المرء.
تحقيق التنمية ليس بالمسألة الهيّنة، بل هي في غاية التعقيد، كونها تقوم على مبدأ لم يعتده المجتمع الأردني، وهو الإنتاجية والعمل الخاص المنتج.
ثمة نظريات روّجت لها الحكومات لسنوات، كانت تؤكد على أن الإنفاق على البنية التحتية والخدمات، من تعليم وصحة ونقل وغيره، كفيل بتحسين حياة الناس.
وراهن كثير من المسؤولين على هذه الفكرة، وعلى أساسها أنفقوا مليارات الدنانير. لكن اليوم تثبت أرقام الفقر والبطالة مدى خطأ هذه النظرية التي تبدو مجزوءة، بعد أن طبقت لسنوات طويلة.
صحيح أن الارتقاء بمستوى الخدمات يخفف من وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة، لكنه في النهاية لا يوفر فرص عمل إلا لعدد محدود، ما يعني ضرورة خلق توازن بين الإنفاق على الخدمات وبين الإنفاق على المشاريع المولدة لفرص العمل.
مثلا، في الجنوب، تبدو فكرة إنشاء مصانع، بعد كل محاولات الماضي، فاشلة؛ ما يعطي للاستثمار الزراعي فرصة تستحق المحاولة، بحيث تُستغل المياه الجوفية والأراضي في تلك المناطق، بعد منحها للسكان المحليين لاستثمارها تحت إشراف خبراء زراعة، وبدعم من الحكومة، الأمر الذي يساهم في تقوية قطاع الزراعة من ناحية، ويحفز ثقافة الإنتاج، من ناحية أخرى، عبر منح ملكية الأرض للمجتمعات المحلية، ضمن آلية ومعايير يتفق عليها.
المشاريع السياحية تبقى خيارا قائما للتبني في مختلف مناطق المملكة. إذ إن الأردن متحف مفتوح، والتركيز على هذا القطاع الحيوي يملك فرصا أكبر للتطور والنجاح؛ فهذا النوع من المشاريع له قيمة مضافة، تتمثل في سرعة التنفيذ والترويج، في حال تضافرت جهود القطاعين العام والخاص لإنجاح الفكرة.
اليوم، ونتيجة تزايد المساعدات العربية والأجنبية، لم يعد التمويل تحديا؛ بل التحدي الحقيقي يكمن في توليد أفكار لإنشاء مشاريع إنتاجية مشغّلة للأردنيين في مختلف مناطق المملكة، وتوجيه هذا التمويل بشكل صحيح، يسهم بعد وقت في إحداث التنمية التي يطمح إليها الناس.
مشكلة الدولة تكمن في قدرتها على الاستجابة لتطلعات المجتمع في حياة كريمة، والتحدي ليس بقليل. لكن وصفة النجاح، أولا وأخيرا، هي: وقف التنفيعات، والعمل بجدية.
تركيا استطاعت أن تغيّر واقعها وتنهض "بعد وقف السرقة والفساد"، كما قال رجب طيب أردوغان.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد