ارتبطت عملية الانتخابات في التاريخ السياسي للدول بالديمقراطية والتعددية والمشاركة السياسية. وقد ارتقت الأمم في مدارج التقدم من خلال صناديق الاقتراع، وأكدت الأنظمة السياسية حضاراتها من الإحتكام المطلق إلى نبض المواطن، وحركة فكرة وإطلاق العنان لوجدانه وضميره.
كما سعت معظم دول العالم الأول إلى وضع إشتراطات القبول العام للقرار السياسي بيد الفرد المؤهل لتحمل المسؤولية، وذلك خوفاً من الوقوع بين براثن الغوغائية. ففي أوروبا نرى أن مفهوم الورقة الإنتخابية وقدرتها وقيمتها قد سبقت كل ممارسة وعلت عليها، ولذا فإن الشعوب الراقية وذات الثقافة السياسية العالية تحرص على أن تنجز هذه المهمة بكل اقتدار ووعي.
وما أن يصل المنتخبون إلى مقاعدهم تحت القبب البرلمانية وفي منتدياتهم، حتى تبدأ العملية الديمقراطية بالإنتقال من العامة إلى الخاصة، حيث تبدأ النخب، التي أوكلت إليها مهمة التشريع والمراقبة، المتابعة التفصيلية والقراءة الدقيقة للقضايا وإهتمامات الأمة.
سقت هذه العجالة لأقول أن هناك الكثير مما ينتظر المجلس النيابي الأردني السابع عشر. خاصة وأنه جاء في مرحلة مثقلة بالمشاكل الدولية والإقليمية وبالهموم الداخلية، التي وإن أحسنت الحكومات المتعاقبة على إداراتها ومحاولة إيجاد حلول لها، فإنها تظل بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتقليب على وجوهها حتى تستقر في وجدان العمل السياسي العام، وتستجيب للإستحقاقات الدستورية والتنظيمية في الوطن.
وهنا يجب أن ندرك أن ما قد يثور مستقبلاً بين المجلس النيابي والحكومة- أي حكومة- من حراك سياسي هو أمر طبيعي ومشروع ومبرر. فأي مجلس نيابي في الدنيا لا يمكن أن يتوانى عن ممارسة دوره التشريعي والرقابي. بل وهذه من مهامه الأولى التي يجب عليه القيام بها. وبالمقابل فإن لا حكومة في الدنيا أيضاً تصم آذانها وتتجاهل التطورات التي تشهدها الدول والشعوب ولا تتعامل معها خدمة للشعب والوطن، وهي الأقدر على تقييم المصالح الإستراتيجية للوطن.
إن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، دون المساس بدور أي منهما، يجعل المواطن في الأردن يشعر بالأمن والإستقرار والثقة بالحكومة وبمن دفع بهم إلى البرلمان. بالتعاون بين هاتين السلطتين، والعمل المشترك بينهما يقوم أسس الدولة الحديثة، ويخلق منها حالة وعي وإدراك لعملية صناعة القرار السياسي السليم. وبالتالي تكون مصدر الحماية والصون للوطن وللمواطن.
لذا فإن المهمة المنتظرة لمجلس النواب ستكون مهمة ليست بالسهلة، سواء من ناحية الظروف التي ذكرنا، أو من ناحية التعاطي مع القوانين والتشريعات المستقبلية. وهذا ما يدفع بالمراقب لأن يدعو إلى ضرورة تكثيف الجهد وإعطاء المزيد من الوقت، والقيام بالكثير من العمل المتواصل في سبيل إنجاز هذا الواجب الوطني الأهم. على أن يجري ذلك تحت مفهوم تحقيق الأمثل وخدمة الناس، والابتعاد عن مزالق المعارضة والمناكفة لأجل المعارضة والمناكفة. والحرص على أن يكون الهدف الأسمى هو العودة إلى المواطن بحزمة من القرارات والقوانين والتشريعات تمكنه من العيش الكريم والأمن في وطنه. وأهم من كل ذلك أن ترسخ الثقة في نفس المواطن «بأن الذهاب إلى صناديق الاقتراع القادمة واجب مقدس يجب أن لا يتخاذل عنه»، وهذه مهمة السادة النواب، فهم الذين سيبرهنون للناخب أن ذهابه إلى صناديق الإقتراع قد آتى أكله وأنه أفاد من ممارسته لذلك الواجب الذي هو أولاً وأخرا واجب وطني فعلاً.
أن التواصل بين الناخب والنائب أمر يجب أن يتنبه إليه من يجلسون تحت القبة، وذلك بإدراك أنهم ما ذهبوا إلى هناك إلا بإرادة الناس وبقناعاتهم وبقراراتهم وبإختيارهم. وإن النيابة هي توكيل يسهل تغييره في أول فرصة سانحة. لذا يجب إلى من اختارتهم الأمة أن يحرصوا كل الحرص على إنجاز ما أوكل لهم بكل وعي وإقتدار وهذا ما نحن على ثقة به.
Almajali74@yahoo.com
الرأي