عندما تغيب سيادة القانون!
حسن الشوبكي
04-05-2013 06:00 AM
في كل هذا المشهد المتدحرج في الجنوب منذ مقتل أربعة أردنيين داخل حرم جامعي في معان، وحتى يومنا هذا، تبدو السمة الأبرز هي غياب القانون وسلطته، والاستعاضة عن ذلك بالنفخ في تركيبة اجتماعية مسكونة بالأنا، وتستمد قوتها من عصبية الدم في تعبيرها عن المجموع بشكل بدائي. وهي بعيدة كل البعد عن القانون، ولا ترغب في أن يكون لهيبة الدولة، من خلال سيادة القانون، أي دور فيما يجري حولها، ولتذهب الدولة واستقرارها واقتصادها إلى الجحيم! فكل هذا ليس مهما، بل المهم بالنسبة لها هو الدفاع عن حمى القبيلة في العام 2013.
أدوات القتل كانت حاضرة داخل الحرم الجامعي. فلكل تكوين قبلي من الطلبة خيمة بقصد الاحتفال بتأسيس الجامعة من زاوية عشائرية، لا أكاديمية أو علمية، وفي هذا غياب للقانون. لكن الغياب الأكثر خطورة كان بالسماح أو التساهل في إدخال الأسلحة النارية إلى الجامعة، واستخدامها على النحو الكارثي الذي حدث. وبعد القتل والكارثة، ثمة قوى قبلية تتطاحن وتسعى إلى ليّ ذراع السلطة والدولة، عبر تهديدات وإغلاقات لطرق دولية، وتفتيش للمدنيين وكذلك السياح! فأي عبث أكثر من ذلك؟! ثم يأتي بعد ذلك من يتحدث عن الاستقرار والاقتصاد. على الطريق الصحراوي، تم الاعتداء على حافلة سياحية متجهة إلى العقبة، وقطع الطريق الدولي قائم منذ أيام، وتحت عين الدولة ومسامعها. ولا أعلم بماذا سنفسر للعالم حادثة تفتيش المدنيين على طريق دولي من قبل محتجين وملثمين مسلحين؟ وهل ثمة نذر خراب لمستقبلنا الاقتصادي واستقرارنا أكثر من ذلك؟ فمن يسمع بهذه الحادثة فقط، سيذهب بالتحليل إلى أن الدولة غائبة، والقانون محيد، لصالح التركيبة الاجتماعية؛ وأن السياحة مخاطرة في ظل انعدام الأمن على الطرقات.
المؤذي فعلاً أن الجميع يتواطؤون لإدامة الجرائم التي ترتكب. فمؤسسات الرقابة عاجزة، والأمن يتفرج، والإعلام يكتب عن قطع الطريق الدولي بحروف باردة، وكأن الأمر نزهة في وادي رم، وهي ذاتها الصحافة التي تقيم الدنيا ولا تقعدها لو كان الأمر متعلقا بمسيرة منظمة للمعارضة لم يجرح فيها أحد. كذلك، فمقالات الإدانة غائبة أو شحيحة حيال الانتهاكات القبلية التي تجري حاليا في الجنوب، ولا نخب سياسية قادرة على إدانة المشهد البشع من حولنا وتغييره، عبر تحقيق سيادة القانون؛ بل على العكس، ثمة إشادة بجاهات قبلية أحسبها سببا في استمرار غياب القانون في بلادنا، والإساءة لصورتنا في الداخل والخارج.
لا يتشدقن أحد بعد الآن بالملاذات الآمنة للمستثمرين؛ فالدولة التي تعجز عن تأمين حركة حافلة سياحية محطتها الأخيرة العقبة، يجب أن تعيد حساباتها لتحدد حجم سلطتها وهامش المناورة بالنسبة لها في مواجهة سلطات أخرى تتشكل في لحظة انفعالية، وتقرر ما ستفعل؛ فتسيطر على الطرق وتغلقها، وتقوم بحرق ما تشاء، فيما الملثمون مسلحون ويتجولون تحت عين الجميع. يقول الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: "القانون يجب أن يكون مثل الموت، لا يستثني أحدا". والمفارقة المرعبة أن مثل هذا الفهم غائب في بلادنا. فالقانون الذي يطبق في الصويفية، لا يصلح أن يطبق في الحسينية أو معان؛ والأفراد ليسوا سواء أمام القانون، فثمة من يحق له قطع الطريق تحت ذريعة غضب القبيلة، وهناك من يحق له استخدام السلاح داخل الجامعات! والكل يدمر بجرائمه وتواطئه وعبثه مشهد الدولة واقتصادها.
مخطئ من يعتقد أن ما يحدث من حولنا ليس مراقبا من قبل مؤسسات دولية وجهات مالية مؤثرة، ومراكز تقييم اقتصادية وسياحية. ومثل هذه الجرائم لا تمر مرور الكرام لدى من يعرفون سيادة القانون ومدلولاتها، وأثرها في الاستقرار وجذب السياحة والاستثمار.
الغد