المسؤولية المجتمعية للشركات
د. محمد أحمد الكركي
03-05-2013 09:18 PM
تتعاظم أهمية المسؤولية المجتمعية للشركات في العالم بمرور الأيام، بعد تخلي الحكومات عن دورها الاقتصادي والخدماتي، في ظل وجود برامج، كان ينظر لها في الماضي القريب على أنها متوقعه في ظل غياب المؤسسات الحكومية الربحية. وقد جاءت دعوات المتحفظين على نظام العولمة الجديد بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية، لتثير تساؤلا هاما حول الدور الاجتماعي للشركات العالمية - متعددة الجنسيات- ومسؤولياتها في مواجهة ظاهرة الفقر نتيجة التطبيق الصارم وغير العادل لإجراءات تحرير التجارة العالمية.
وغالبا ما يقوم أصحاب المنشآت العالمية غير الحكومية بتذكير المساهمين بمسؤولياتهم المجتمعية وحثهم على دعم المجتمعات المحلية، لمساعدتها في مواجهة جيوب الفقر ومعدلات البطالة وغلاء الاسعار، بصفتهم ممثلين للقطاع الخاص، ولاعبين أساسيين في السوق بحكم نفوذهم وسيطرتهم على عوامل الانتاج الرئيسية، في عصر العولمة الذي يزداد فيه الغني غناً والفقير فقراً.
على أن متطلبات المسؤولية المجتمعية المؤسسية لا تعني بالضرورة استهداف أجزاء أو قطاعات محددة من المؤسسات المحلية والعالمية، حيث أن فلسفة المسؤولية المجتمعية مشتقة أساساً من طبيعة ظروف محيطة تتصف في الغالب بالمرونة والشمولية.
أسئلة كثيرة تطرح بين حين وآخر من المهتمين بالتنمية الاقتصادية تتمثل في: "الى أي مدى تهتم الشركات العالمية والاقليمية بموضوع المسؤولية المجتمعية؟ وما هو حجم هذا الاهتمام، ان وجد في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في معظم أنحاء المعمورة؟، وما هي آثار ذلك في ظل الارتفاع المتزايد في جيوب الفقر ومعدلات البطالة، والتضخم؟. وما هو دور الحكومات في تعزيز منظومة العمل الاجتماعي، وتشجيع الشركات الكبرى التي تعمل داخل البلد المعني، وتحكمها قوانينه للاستفادة من مفهوم المسؤولية المجتمعية في حل مشاكل المجتمعات المحلية، أخذا في الاعتبار ضغوط المانحيين الدوليين؟، وما هو حال التعامل مع فقراء العالم بعد فترة، في ضوء تقارير الأمم المتحدة التي تشير إلى أن عدد جياع العالم (الجائع هو من تتوفر له متطلبات الغذاء فقط) مع نهاية عام 2012 قُدر بحوالي 870 مليون جائع، ما نسبته 12.3% من إجمالي عدد السكان، مع معدل زيادة سنوية لسكان الأرض خلال الفترة 2005-2015 قدر بحوالي 79 مليون نسمة.
الملاحظ أن المنطقة العربية بدأت تشهد اهتماماً متزايدا بهذا الجانب منذ فترة، فمن جانب، نلاحظ أن بعض الشركات العربية تُضمن قوائمها المالية بنداً خاصا بالمسؤولية المجتمعية، ومن جانب آخر، نجد بعض الشركات المالية العربية المشتركة مثل الهيئة العربية للاستثمار والانماء الزراعين والصندوق العربي لتنمية افريقيا، والصندوق الاقتصادي الاجتماعي العربي، والبنك الاسلامي بجدة أنشأت صنايق تنموية بأسماء مختلفة مثل صندوق الامانة وصندوق التنمية ...الخ.، في محاولة منها لمساعدة المجتمعات المحلية نقدياً وعينيا.
أما في الاردن الذي لا يتجاوز فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي مبلغ 3,439 دينار، والذي قدر فيه خط الفقر بحوالي 680 دينار، ويوجد فيه جيوب فقر يصل عددها، وفقا لبعض الدراسات الاقتصادية الاجتماعية، 32-36 جيبا، فقد أنشئ فيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي ليشكل الاداة الرئيسية في مواجهة المشاكل الاقتصادية الاجتماعية في الاردن، معتمدا في ذلك على ما يضمه من خبراء ومفكرين برئاسة الاقتصادي المخضرم والسياسي الخبير معالي الدكتور جواد العناني، ليُنير دربنا في الجوانب الاقتصادية والتنموية، اعتمادا على ما يجريه من دراسات، تقف على واقع الحال الاقتصادي والاجتماعي، وفي ضوء وثيقة المسؤولية المجتمعية التي أعدها عام 2011. ومع تقديرنا لدور المجلس وانجازاته، فان التحديات الاقتصادية المقبلة تتطلب تعاون المجتمع الاردني برمته في المواجهة، ولا يكفي أن نحدد خط الفقر في الاردن، فالأمر يتطلب مزيدا من الدراسات الاقتصادية والاجتماعية لتشخيص المشاكل الاقتصادية التي يتصدرها الفقر، بمقترحات موضوعية قابلة للتطبيق، وأساليب وبرامج تمويل متاحة ومقبولة من المجتمع المحلي، من حيث القدرات المالية، والمعتقد الديني، والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة، فما هو مقبول من برامج تمويل في مجتمع ما، غالبا ما لا يكون مقبولا في مجتمع أخر، كما أن حجم المشاركة المطلوبة من الشركات الكبرى ومؤسسات المجتمع المدني لا بد وأن تكون موضع دراسة واهتمام للاستفادة من وجودها قريبة من مجتمعاتنا المحلية.
رعى الله الأردن بلدا آمناً وسدا منيعاً أمام محاولات الأعداء والمتربصين وحمى قيادته وشعبه من كل مكروه.
maskaraki@yahoo.com