ينص الدستور الامريكي (وهو من الدساتير العتيقة عدا عن ان كل المتغنين بالحقوق والحريات في بلادنا لا يكفون عن التغزل به وبدولته في كل حين ومين) على حق المواطنين في حمل السلاح ومع ذلك فإن معظم الولايات الامريكية تضع ضوابط وشروطا وتعقيدات على هذا الحق الدستوري تصل الى حدود تحريمه اطلاقا في بعض الولايات رغم انه من المواد الرئيسة في النصوص الاصلية للدستور، ذلك ان القاعدة البدهية تقول ان حريتك تنقطع حيث تبدأ حرية الآخرين وان كل حق مقرون بواجب فمن اساء استخدام هذا الحق او افرط فيه عوقب بتقنينه او حرمانه منه.
ومن عجائب الحال ما نراه ونسمعه من اضطراب واختلال لحق حرية التعبير في وطننا العربي عامة وفي بلدنا خاصة فقد اسأنا فهمه واستغلاله حتى اصبحت حرية التعبير رديفا ومسمى آخر للشتم والقدح والذم والنيل من الأعراض والذمم دون مبرر او دليل او برهان وكم من كلمة هي اقوى من الف رصاصة وسيف.
بل لقد أصبحت حرية التعبير في بلدنا شماعة للإرهاب الجمعي وترويع المواطنين واغتيال السلم الأهلي والاجتماعي يوم اعتبر البعض أن استعراضات القوة -حتى وإن كانت قوة مكذوبة بل ربما مدعاة للضحك اكثر مما هي مدعاة للخوف عند من يعلمون حقائق الامور- يوم اعتبر البعض هذه الاستعراضات جزءا من حقهم في التعبير ولا تسألوني: التعبير عن ماذا؟ فلا اظن (المعبرين) أنفسهم يعرفون.
في بلدنا اسيء استخدام هذا الحق الى درجة اصبحت الحرية في التعبير تفسر عند البعض باتهام المسؤول (أي مسؤول) بالفساد ورغم ان هذا الشخص المعني يقبع خارج دوائر صناعة القرار منذ عقد او عقدين!! واصبحت حرية التعبير تفسر بأن تشهر سلاحا تحت قبة البرلمان أو عبر اثير التلفزيون بسبب اختلاف في الرأي!!
وبالطبع لا ننسى رواد الاساءة للحرية عامة ولحرية التعبير خاصة اولئك الذين يظنون التعبير عن الكرامة لا يكون إلا بأن تكون صفيقا، واظهار الشجاعة لا يعني الا أن تكون سليط اللسان عديم الذوق والخلق مستعدا لأن ترمي خصمك بالباطل وتنزه صديقك عن كل عيب وهو لا يخلو من مئات منها!! فأصبح عندهم التطاول على الأجهزة الأمنية التي لم ترتح طول العامين الماضيين بسبب حماية المظاهرات وحماية أمن الوطن وحدوده ألعوبة وتسلية لا تنتهي وشتم كل من تسلم او قد يتسلم موقع مسؤولية غاية وهدفا وهو ما الا نكران للجميل وانعدام للوفاء والمروءة تخجل منه حتى البهائم، وما هو بحرية تعبير لا ولا تعبير ادمي اصلا بل هو مسرحية من حب الظهور وفرد العضلات لكسب شعبية زائفة واستعراض اجوف على حساب الوطن وأهله.
حقا إن ما جرى ويجري في وطننا يحار فيه كل لبيب فهل هذه حرية التعبير إلتي نطالب بها؟ هل نريد للمشهد الحالي أن يكون هو الإطار الراسخ والدائم للمبادئ والاخلاقيات والديمقراطية التي نريد أن نبني عليها أسس المرحلة الاجتماعية القادمة؟!؟.
لم أعد أعلم الى أين سينتهي بنا هذا المظهر الذي أنا أراه مؤلما. لا أعلم أين ذهبت الأصوات العاقلة المتزنة التي تعلم أن ما يقوم به بعض محترفي الجعجعة ما هو الا تشويه لصورة الوطن والمواطن ولا يعكس أي ديمقراطية.
اذكر أننا تربينا على أن الأردني هو من يحترم الكبير ويحترم الأخت وألام والزوجة والشيخ. أن الاردني لا يرمي الناس بالباطل ولا يخوض في الذمم والاعراض . أن الأردني الذي فتح بيته للجميع لن يجحف بحق أبناء وطنه وأخوته.
لا أعلم ماذا سيكون الحل، ولكنني أعلم أن ألاردنيين كانت السماء سقف حريتهم منذ خلقهم الله لكن أخلاقهم وطيب أصلهم ورجاحة عقولهم كانت ابعد واوسع من هذه السماء فماذا جرى ومتى؟؟؟؟
تويتر: @Deema22