إعادة النظر في أسس القبول الجامعي، ومراجعة الخطط الدراسية، ومنح الحرس الجامعي حق الضابطة العدلية، وغيرها من الاقتراحات، ستساهم دون شك في الحد من ظاهرة العنف الجامعي. لكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، والحلول الجذرية لمشكلة العنف موجودة خارج الحرم الجامعي وليس داخله فقط.
الظاهرة في الجامعات هي امتداد أو مظهر لأزمة طالت واستفحلت، وتتمثل في تنازل الدولة عن مبدأ سيادة القانون لحساب قوى اجتماعية وأفراد من أصحاب النفوذ. وأكثر من ذلك، التغاضي عن التجاوزات على القانون، لا بل وتبنيها في أحيان كثيرة؛ بمعنى آخر إدامة السلطة على حساب القانون وهيبة الدولة. ولنقلها بصريح العبارة: لم يعد للدولة هيبة عند عامة الناس.
ما حدث ببساطة هو أن العلاقة الزبونية، والواسطة، والمحسوبية، حلت مكان القانون في علاقة الدولة مع مواطنيها. لم يعد المواطن يخشى مخالفة قانون السير ما دام بوسعه شطب المخالفة في اليوم التالي. وبإمكانه أنْ يقطع الطرق العامة، وأن يشهر السلاح في أي مكان، ويعربد كما يشاء، ويخرج من التوقيف بكفالة شيخ عشيرة أو نائب. السلطة في الأردن تنتقل تدريجيا إلى الشعب، لكن على نحو بدائي يقوض أسس دولة القانون، ويعيدنا إلى الوراء تسعين عاما وأكثر.
وبمنطق الجاهات لا القانون نحل مشاكلنا. وفي العادة، يتولى رجال الدولة، من نواب وأعيان ووزراء، الموكلة إليهم مهمة تطبيق القانون، رعاية "الصلحات" و"العطوات"، وما شابه من تسويات على حساب القانون.
لسنوات عديدة مضت، انغمس المسؤولون، على مختلف المستويات، في تسخير السلطة لخدمة مصالحهم ومصالح المقربين منهم. تجلى ذلك في التعيينات، وتوزيع المكتسبات والامتيازات، وصولا إلى التلاعب بالانتخابات وتزويرها، وتشريع الانتفاع من السلطة على مرأى ومسمع من الجميع؛ فانهار المركز الأخلاقي للسلطة، وتراجعت مكانة المسؤول في أعين الناس. والمسؤول الغارق في الفساد لن يتجرأ على تطبيق القانون، وهو يعرف في قرارة نفسه أن مكانه الطبيعي هو السجن.
وعند هذه اللحظة؛ لحظة انكسار الدولة أمام مواطنيها، بدأت الأغلبية من الناس ترتد إلى هوياتها الفرعية، وملاذاتها الجهوية والمناطقية، في الجامعات والوزارات، وفي الانتخابات طبعا. يمكن القول إن الرابطة الوطنية قد انهارت، أو في طريقها إلى الانهيار في الأردن، إذا لم تفق الدولة من غفوتها، وتستعيد زمام المبادرة.
وفي غياب منطق القانون ودولة القانون، تصبح القوة بكل مظاهرها وسيلة المواطن للدفاع عن حقه، أو سلب الآخرين حقوقهم. وهكذا، يكون العنف ديدن الجميع.
تستطيع قوات الدرك أن تحتوي مشاجرة هنا أو هناك، وأن تسيطر على حرم جامعة أو بلدة بحالها. لكن ساذج من يعتقد أن دولة القانون تتحقق بالحل الأمني. الأمن وسيلة الدولة لتطبيق القانون، وقبل اللجوء إليها ينبغي، أولا، إعادة الاعتبار للقانون وهيبته عند الناس. في الدول الديمقراطية، يطبق الناس القانون بدون وجود شرطة فوق رؤوسهم، ولا تلجأ السلطات إلى رجال الشرطة إلا في حالات نادرة. حين يدرك المواطن العواقب الوخيمة لمخالفة القانون، تكون عندها الحاجة إلى رجال الأمن محدودة للغاية.
أصل الحكاية ومنبتها هو القانون. وحين تتنازل الدولة طواعية عن تطبيقه، فهي مرشحة لأن تكون في خانة الدول الفاشلة.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد