تكريم العمال أمر مطلوب، ومنطق سليم ومقبول من كل الوجوه، لكن ينبغي أن يكون هذا التكريم حقيقياً وفعليّاً، وليس شكليّاً، وضحكاً على الذقون، ويجب ألا يكون عاملاً آخر يضاف الى عوامل القهر وزيادة المعاناة.
ينبغي أن يكون عيد العمال في كل عام مناسبة وطنية، نحتفي بها جميعاً بالجديد الذي تم تقديمه للعمال، وينبغي أن يكون يوماً لعرض الانجازات العملية التي تم استحداثها للعمال وعائلاتهم وابنائهم، وفي كل عام ينبغي أن يكون هناك ما يمكن اضافته وما يستحق الذكر و العرض في هذا الشأن.
والسؤال الذي ينتظر الإجابة : ما هي فلسفة عيد العمال؟ وما هي الأفكار الرئيسية التي تقف خلف ايجاد اليوم العالمي؟ فهل هو يوم راحة واستجمام للعمال الذين يقضون أيامهم في العمل المضني وفي المعاناة وبذل الجهد البدني المرهق، أم هو مناسبة سنوية يتاح للعامل فيها أن يقضي بعض الساعات مع أهله وأبنائه الذين لا يرون ملامح وجهه لأنه يخرج مبكراً قبل استيقاظهم، ويرجع متأخراً بعد رقودهم!! أم هو مناسبة للتذكير بهذه الفئة المنسية لما لها من حقوق، أم هو يوم وطني مشهود لنقدم فيه التكريم اللائق لهؤلاء الذين يسهمون في رفعة هذا الوطن وخدمة شعبهم وأمتهم،
أم هو مجرد شكل من أشكال الاحتفالات الرسمية الجافة التي يظهر من خلالها الفارق الطبقي الهائل الذي صنعته السياسات الاقتصادية الظالمة التي تزيد الأغنياء غنى وتزيد الفقراء فقراً وبؤساً.
لقد أصبح عيد العمال مناسبة للمترفين والميسورين والأثرياء لقضاء عطلة طويلة على الشواطئ الرملية الجميلة، وفرصة للتفسح والتسوق، والسياحة في البلدان المستعدة لتقبل الانفاق السخي، والتمتع بما لذّ وطاب من صنوف المأكولات والمشروبات.
يجب إعادة النظر في كيفية التعامل مع هذا اليوم، وينبغي أن يتم التفكير في ابداع الوسائل والأساليب التي ترفع من مستوى المعيشة للعمال، وكيفية ايجاد المشاريع التي تضمن التأمين الصحي المناسب لهم ولعائلاتهم، وكيفية رعاية أبنائهم وخاصة الموهوبين منهم لمواصلة تعليمهم، وتحسين فرص الحياة لهم، اضافة الى تأمين شيخوختهم التي سيؤولون اليها في نهاية المطاف.
العمال بحاجة الى تأسيس بنك خاص بهم، من أجل توفير الأرصدة المالية التي يتم اقتطاعها من العمال وأرباب العمل ومن الشركات الكبيرة والصغيرة، وفقاً لأنظمة خاصة لرعاية حاجاتهم، وهنالك تجارب عمالية ناجحة في هذا الشأن، ويستقبل هذا البنك أموال الزكاة والصدقات والتبرعات والأموال الوقفية التي ستكون وفيرة وقادرة على تأمين مقاصد رعايتهم ورعاية أبنائهم وعائلاتهم.
العمال بحاجة الى تأمين صحي مناسب، يجعلهم قادرين على مواجهة ما يعتريهم من علل وأمراض، ويجب تقديم الرعاية الصحيّة المناسبة التي تليق بالكرامة الآدمية.
العمال بحاجة الى تأمين اسكانات مناسبة، تقيهم برد الشتاء وحر الصيف، ويمكن التفكير في إنشاء مدن عماليّة نظيفة ومرتبة، وبسيطة ومتواضعة في الوقت نفسه، من خلال تعاون جهات وأطراف مختصة في البحث عن الأبنية غير المكلفة من خلال الاستثمار في المواد المتوافرة، والتي تتناسب مع بيئتنا وثقافتنا.
العمال بحاجة الى تطوير التشريعات التي تحفظ حقوقهم، وتمنع عنهم عسف أرباب العمل وأصحاب المال، وتنظم العلاقة بينهم وبين مرؤوسيهم بعدالة يصونها القانون والقضاء.
العمال بحاجة الى نقابات عمالية جادة وحقيقية تستثمر لهم ولا تستثمر فيهم، تقدم لهم ولا تعيش على ظهورهم وتعمل جادة على رفع مستوى معيشهم ولا تصعد على أكتافهم، تعيش معهم وبينهم، ولا تعيش على كدّهم وتعبهم ولا تقتات على عرقهم.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم