لسنا بحاجة الى من يقنعنا أن بلدنا يمر في مرحلة صعبة ، نتيجة لتفاقم أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة خلال العامين الأخيرين، والتي تزامنت مع ما سمي بحالة الربيع العربي.
ولكن مايهمنا الساعة هو مدى تأثير مايجري في منطقتنا على الوضع في بلادنا، وقدرتنا على توظيف الايجابيات من خلال السير في الاصلاحات الشاملة، التي أصبحت حاجة وطنية ملحة، والتخفيف ما امكن من السلبيات التي رافقت، ولاتزال، عملية التغيير التي تشهدها المنطقة برمتها.
لقد كانت انعكاسات مايجري في المنطقة على بلادنا ايجابية، وتفاعل معها مجتمعنا بكافة شرائحه وقواه وشخصياته السياسية والأجتماعية بصورة عقلانية ومسؤولة، جنبّت الوطن من الأنزلاق الى الفوضى والمجهول، وبقيت الأمور، وعلى الرغم من بعض الأخطاء، ومن كافة أطراف معادلة الصراع السياسي والأجتماعي -اذا اجاز التعبير - قابلة للسيطرة والضبط، الذي يمنع تَشّكل حالة الأزمة المستعصية، التي تمثل الخطر الأكبر الذي لا أحد يريد الوصول إليه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل معادلة الصراع بين السلطة والقوى المختلفة في بلادنا قابلة للأستمرار ضمن قواعد اللعبة التي لاتزال قائمة الى حد ما، دون أن تنقلب الأمور بأتجاه «حالة الصراع التناحري»، أو كما يروق للبعض تسميتها بحالة «كسر العظم»، التي تشكل التحدي الأكبر للأردن ؟
إن قدر الأردن أن يكون في عين العاصفة في هذه المنطقة الحبلى بالتحديات والصراعات وجد نفسه الآن أمام تحديات داخلية هائلة، جاءت في ظروف تفاقم الأخطار الأقليمية والدولية وقد علمنا التاريخ أن الأمم الحية تواجه التحديات الخطيرة التي تهدد كيانها بالوعي وتحديد الأولويات وتوحيد جهود كافة قواها الفاعلة لتحويل بوصلة صراعها نحو الخطر الذي يهدد وجودها وحضارتها.
وفي حالتنا الأردنية، فأننا الآن بحاجة الى وقفة جادة مع الذات، ومن قبل كافة أطراف المعادلة السياسية والأجتماعية في بلادنا، ودون استثناء, فقد وصلنا الى مرحلة لم تعد تجدي معها سياسات المكابرة وخداع النفس وانكار الواقع التي غرقت فيها العديد من قوانا وشخصياتنا التي لا نشكك في وطنيتها واخلاصها للأردن الشعب والنظام.
وهذه الوقفه يجب ان تستند الى ثابتين أثنين:
شرعية النظام ووحدة مكونات الشعب في إطار الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، وهذا يتطلب:
أولا: الأسراع في تجسيد الأرادة السياسية في الأصلاح الشامل على أرض الواقع، من خلال خطوات واضحة .
ثانياً : كما أن المعارضة بكافة أطيافها مطالبة هي الأخرى بالحوار الهادئ الذي يفضي إلى توافقات تُشّكل قواسم مشتركة للقوى السياسية والحراكات الاجتماعية و الشبابية، والتخلي عن أية مواقف تفتت المجتمع ولا توحده، من منطلق أنْ لا أحد يحتكر الحقيقة، واختيار التدرج المتسارع في عملية الإصلاح، الذي يأخذ بالأعتبار طبيعة وخصوصية الوضع الأردني.
ثالثاً: الأسراع في عقد مؤتمر وطني بمشاركة كافة الأحزاب والقوى السياسية والنقابية والحراكات الشبابية والأجتماعية وهيئات وشخصيات المجتمع المدني، للخروج بميثاق وطني يؤكد على ثوابتنا الوطنية، ويؤسس لواقع سياسي جديد، عماده مشاركة المجتمع المباشرة في إدارة شؤون حياته وصياغة مستقبلة، من خلال أحزاب سياسية ونقابات مهنية ومؤسسات مجتمع مدني فاعله وحقيقية.
رابعاً: العمل الجاد، لإنجاز قانون انتخابات توافقي ليشكل رافعة حقيقية للعمل السياسي في بلادنا، من أجل إفراز كتل نيابية ذات برامج و رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وصولاً الى الحكومات البرلمانية التي يفرزها مجلس نواب يمثل تطلعات الشعب وقادر على الرقابة والتشريع وقطع دابر الفساد والفاسدين.
إن الأنجاز السريع لمثل هذه المطالب وغيرها، سيكون الوسيلة المناسبة لإزالة الاحتقان في مجتمعنا، وسيساعد في ترسيخ النهج الديموقراطي والتعددية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، من خلال المشاركة الإيجابية لجميع مكونات الشعب وقواه السياسية والأجتماعية المؤثرة، وبالتالي توحيد كافة الجهود لمواجهة التحديات والأخطار الداخلية والخارجية التي تحدق بنا جميعاً.
* نقيب الأطباء الأسبق
Dr.zuhair@windowslive.com
"الرأي"