"الإسلاميون" وقضية المدنيّة
سامر خير أحمد
22-12-2007 02:00 AM
كان النائب السابق عبد الرحيم ملحس قد امتنع عن خوض الانتخابات النيابية الأخيرة، معللاً موقفه هذا بأن الجوهر الأبوي القبلي الذي تقوم عليه المجتمعات والدول العربية، يمنع تحويل الممارسات الديمقراطية كالانتخابات والعمل النيابي إلى وسائل مدنية تكرس فكرة المواطنة والمراقبة والمساءلة، بل يجعلها جزءاً من حالة الزيف والتمثيل التي تعيشها مجتمعاتنا، فقد تحولت الديمقراطية –برأيه- من طريقة للحكم إلى أداة للحكم.زار وفد من حركة الإخوان المسلمين الدكتور ملحس في مكتبه قبل الانتخابات، فشرح لهم موقفه ورؤيته، وقدمه لهم مكتوباً، حسبما كان يقول موقع الجماعة على الإنترنت عشية الانتخابات. لكن الإخوان كان لهم رأي مختلف، فقد طرحوا أنفسهم في الانتخابات، لهذا نشروا يومها تعليقاً على "موقف ملحس" في موقع الانترنت نفسه، يقولون فيه أنهم رغم اتفاقهم مع ملحس في التحليل، فإنهم يعتقدون أن الأجدى هو المشاركة في الانتخابات لأن تلك الحالة التي تعيشها مجتمعاتنا ودولنا "حالة سطحية غير عميقة، تعتمد على مجاميع من المنتفعين والنفعيين، وبالتالي فإن الغياب سيؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة والمقاومة، وانتشار الفيروسات والطفيليات، وتعميق الأمراض، وبالتالي الوصول إلى شفير الهاوية".
نبدأ بالقول أن عبد الرحيم ملحس كان خلال فترة نيابته قد عبّر بدرجة مقبولة عن مفاهيم المواطنة والمدنية في كلماته وخطاباته. صحيح أنه لم يفعل أكثر من ذلك، لكن على أية حال كان لدينا وقتها صوت يعبر عن هذه المفاهيم، ما يعني أن موقف ملحس السياسي تجاه الانتخابات الأخيرة انطلق من قناعة وفهم مدنيين حقيقيين وموضوعيين. لكن رد الإخوان، الذي يقول إنهم يتفقون مع ملحس في التحليل، يفترض بالضرورة أنهم هم أيضاً يمثلون تنظيماً مدنياً، ويحملون فهماً سياسياً مدنياً، ويمارسون ما يساهم في دفع المجتمع من الأبوية إلى المدنية. فهل هذا صحيح؟
المتابع للسلوك السياسي لجماعة الإخوان في الأردن، يجد أنها أبعد ما تكون عن أن تحمل همّاً اسمه نقل المجتمع من الأبوية إلى المدنية، وعنوانه تفعيل قيم المواطنة. لا بل إنها منغمسة حتى أذنيها في استثمار الممارسات ذات الشكل الديمقراطي المدني كالانتخابات والعمل النيابي، من أجل تحقيق مصالحها السياسية.
هذا ليس كلاماً في الهواء، فنحن نستطيع أن نلمس عدم اهتمام الإخوان بالمدنية والديمقراطية، في ردود أفعالهم على خلافاتهم السياسية مع الحكومة، كنتائج الانتخابات مثلاً. فالإخوان غاضبون لأنهم لم يحوزوا العدد الذي كانوا يرمون له في مجلس النواب، ما يعتبرونه استهدافاً لهم من أجل "تخسيرهم"، وليسوا غاضبين من "البيئة غير المدنية"، سياسياً وقانونياً، التي أجريت فيها الانتخابات، والمتمثلة بثقافة الانتخابات وقانونها. بمعنى أنهم لو فازوا بعدد كافٍ من المقاعد، على طريقة انتخابات عام 1993 مثلاً، وفتح لهم المجال من أجل دور سياسي فاعل إلى حد ما، لاندغموا في الحياة النيابية وإفرازاتها السياسية تماماً، رغم أن البيئة غير المدنية قانونياً وسياسياً التي جرت فيها انتخابات عام 2007 هي ذاتها تلك التي جرت فيها انتخابات منتصف التسعينيات. وهكذا فإن قضية الإخوان الأساسية، التي يغضبون لها أو يفرحون من أجلها، هي في الحقيقة مقدار ما يتحقق من مكتسبات لتنظيمهم، وليست مقدار ما يتحقق للوطن والمجتمع من مكتسبات ديمقراطية تدفعه نحو المدنية ثقافة وسلوكاً.
هذا ما يمكن أن نلمسه أيضاً في ما أثير حول الطلب من المراقب العام السابق عبد المجيد الذنيبات تقديم استقالته من مجلس الأعيان. فالجماعة تريد أن تقلص حضورها السياسي في موقع معين احتجاجاً على ما تتعرض له من تضييق في مُجمل الحياة السياسية، لا أن تقلص حضورها في الحياة السياسية اعتراضاً على الظروف الموضوعية غير المدنية ولا الديمقراطية التي تحيط بالعمل السياسي. وبالمناسبة فإن هذه القراءة تتعلق بالبعد النظري لموقف الجماعة، لا بما يُقال عن خلافات داخلية وتُصيّد متبادل داخل التنظيم.
لا نقول هذا الكلام اليوم لندين الإخوان، ولا لنكثر السهام عليهم، بل لنستفيد من التجربة السياسية التي نعبرها، من أجل المستقبل. فمكانة التنظيمات السياسية وحضورها إنما يتحددان في ضوء ما يتمتع به المجتمع من ثقافة مدنية، فهي التي تعفيه من السلوك القبلي والجهوي والمناطقي وتوجه أفراده للتمايز على أساس "الأفكار". والأفكار هي ما تحمله التنظيمات السياسية. لذلك فوجود الثقافة المدنية سيساهم في ضمان الحضور السياسي لتلك التنظيمات، وغيابها في تراجعه، ما يعني أن ضمانة "مكتسبات" التنظيم السياسي هي رهن بسعيه لنشر الثقافة المدنية، لا بصياغة تفاهمات مع الحكومة، فهذه قد تزول يوماً كما يلمس الإخوان اليوم، أما ثقافة المجتمع فباقية.
كاتب أردني
samerkhraino@hotmail.com