لا تطعموا أنفسكم "جوزا فارغا"؛ لا ائتلاف معارضة في مجلس النواب، ولا أغلبية ثابتة للحكومة. ائتلاف "جبري" هو حاصل لقاء المستقلين والمنشقين عن كتلهم، جمعهم قرار حجب الثقة عن الحكومة، كل لاعتباراته الخاصة.
حال الأغلبية التي منحت الثقة ليس بأفضل. الاعتبارات التي دفعتهم إلى منح الثقة متنوعة، ولا تشكل أساسا لتحالف مستقر؛ سيختلفون مع الحكومة عند أول قرار أو تشريع. طالما حدث ذلك من قبل وانقلب المؤيدون إلى معارضين، والعكس أيضا.
في التقاليد البرلمانية، لا يمكن بناء تحالفات مستقرة بدون وجود كتل متماسكة. الكتل النيابية التي ولدت من رحم البرلمان الجديد لم تأخذ فرصتها، فقد تعرضت لهزات منذ البداية، ودخلت في امتحانات عسيرة قبل أن يشتد عودها، ومع كل مرحلة من مراحل المشاورات النيابية كانت علامات التشقق تظهر عليها. اختلفوا بين بعضهم على أسس اختيار الرئيس المكلف، واختلفوا على توزير النواب، ثم دخلوا في نزاعات داخلية حول منح الثقة أو حجبها؛ فانتهوا إلى فريقين، وبينهما ضاعت هوية الكتل وفقدت مبررات وجودها.
في غياب نظام داخلي متطور يلحظ دورا محددا للكتل النيابية، وجد العديد من النواب أن الانسحاب من الكتلة بسهولة الانضمام إليها. وهكذا شهدنا حركة لا تتوقف من الانشقاقات والمناقلات، بلا ضابط أو مبرر سياسي أحيانا.
تابعوا ما سيحصل للأغلبية حين يشرع رئيس الوزراء عبدالله النسور، في جولة المشاورت الثانية لإشراك النواب في حكومته. سيدب الخلاف في صفوف الكتل التي يتصارع منتسبوها على المقاعد الوزارية، وسينتقل نواب منحوا الثقة إلى صف المعارضين. وإذا ما نجح النسور في "خطف" نواب من معسكر المعارضة إلى حكومته، فسيرحل هؤلاء حكما إلى خندق الأغلبية.
إن أسوأ علاج يمكن التفكير به في هذه المرحلة هو إشراك النواب في الحكومة. سيكون ذلك بمثابة الضربة القاضية لفرص إصلاح الحياة النيابية.
لقد برر رئيس الوزراء قراره عدم توزير النواب، برغبته في أخذ الوقت الكافي للتعرف على أصحاب الكفاءة والخبرة لاختيار الوزراء من بينهم، وقال إن ذلك لن يحصل قبل بضعة أشهر من هذا العام. لكنه وبعد يومين على نيل الثقة، أعلن عن نيته إجراء تعديل وزاري بعد عودة الملك مباشرة من الخارج!
ما الذي تغير؟ وهل اكتشف الكفاءات في المجلس بهذه السرعة، أم أنه تورط في وعود لكتل نيابية وقيادات فيها مقابل الثقة؟
الأرجح أن ذلك هو ما حصل. بيد أن خطوة متسرعة كهذه ستكون لها نتائج سيئة.
ليس صحيحا أن خيار توزير النواب بات محسوما من الأغلبية النيابية أو من طرف مؤسسات الدولة ونخب المجتمع. وفق آخر استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، هناك أغلبية ساحقة ضد توزير النواب في هذه المرحلة.
لا يجوز القفز مرة أخرى عن رأي الأغلبية من أجل مصالح سياسية ضيقة. كما أن مشاركة عشرة نواب في الحكومة لا تعني أنها أصبحت حكومة برلمانية؛ فالنسور لن يكسب من توزير النواب العشرة سوى أصواتهم، وقد يخسر ضعفها عند أول تصويت على الثقة.
إذا كان هناك من خطوة صحيحة يمكن للنسور أن يفعلها، فهي استغلال فرصة إعادة تشكيل حكومته على أسس جديدة، يمنح الكتل من خلالها حق ترشيح وزراء من خارج المجلس لدخول الحكومة، على أن تلتزم هذه الكتل خطيا بدعم حكومته في سياساتها وقراراتها. إن خطوة كهذه ستمنح الكتل القدرة على التماسك والتحالف لدعم الحكومة على أسس برامجية، وتعطي للمعارضة أيضا فرصة الائتلاف على نفس الأسس.
الغد