لا يبدو أنّ رئيس الوزراء، د. عبدالله النسور، سيتنفّس الصعداء أخيراً، بعد أن اجتاز معركة الثقة المرهقة والمعقّدة؛ فما ينتظره خلال الأسابيع القليلة المقبلة يبدو أكثر صعوبة من السابق، وحجم المعارضة السياسية له داخل القبة وخارجها يكبر أيضاً!
التحدّي الأول أمام الحكومة يتمثّل في تنفيذ وعود الرئيس بإشراك النواب في الحكومة. وهو تحدّ لأنّه يعود بنا إلى المربع الأول، ويهدّد بالقضاء تماماً على الكتل النيابية المتضعضعة والمتهاوية أصلاً، بعد أن مزّقتها مناقشات الثقة ونتائجها!
على الأغلب، فإنّ الرئيس حدّد وقرّر من هي الأسماء التي سيدعوها للانضمام إلى حكومته في الأيام المقبلة (بعد أن يستأذن المرجعيات العليا)، وربما "من سيخرج"! إلاّ أنّ ذلك –أيضاً- سيضاعف من حجم النواب الغاضبين والمعارضين للحكومة الحالية ورئيسها، ما يضعها "على الحافة" من جديد عند أيّ منعطف يمكن أن تمر فيه؛ وأمامها مباشرةً، في أقل من شهرين، القرار المرتقب برفع أسعار الكهرباء، وما قد يحمله من تداعيات في الشارع، وفرصة جديدة للخصوم للإجهاز على الرئيس.
التحوّل المهم الذي حدث تحت قبة البرلمان في نقاشات الثقة، والمتمثّل في انقلاب التيار المحافظ واليميني على الحكومة، سيتطوّر ويتدحرج خلال الأسابيع المقبلة. وبدأنا نسمع منذ الآن عن دعوات لتشكيل حكومة ظل، وتنسيق مواقف بين النواب الحاجبين للثقة، في الوقت الذي تبدو فيه قاعدة الرئيس البرلمانية متهلهلة ورخوة، ومرشّحة للانهيار في أي لحظة.
لن يكون وضع الرئيس في الشارع أفضل حالاً من قبة المجلس؛ فهو خسر التيار المحافظ، ولا يحظى بتعاطف ولا ارتياح في دوائر قرار ومؤسسات رسمية مهمة، وفي الوقت نفسه يتطوّر قلق "النخبة اليمينية" من "أجندة الحكومة"؛ فالصورة التي يجري إلصاقها بها، وعبّرت عنها كلمات بعض النواب القريبين من هذه الأوساط، أنّها حكومة رفع الأسعار ومنح الجنسيات وتنفيذ الأجندات الدولية والمحاصصة، وربما تمهّد لخطوات أكثر خطورة مقبلة على البلاد.
وهي صورة في حال نجح هذا التيار في تكريسها، كفيلة بتهشيم الحكومة في الشارع، وتسهّل التعبئة ضدها في أوساط المحافظات التي تجد هذه الهواجس قبولاً لديها، وتعاني الأمرّين من البطالة والأسعار والفقر والتهميش الاقتصادي، وغياب فرص العمل ومحدودية الاستثمارات، كما تتنامى فيها مشاعر الحرمان الاجتماعي والإحساس بالفجوة الطبقية ومشاعر القلق من المستقبل والإحباط والاحتقان.. الخ!
خطورة هذه الصورة (وهذا هو الأكثر خطورة)، أنّها تتجاوز الرئيس وشعبيته والموقف من الحكومة، إلى أسس المعادلة السياسية نفسها وعلاقة الدولة بالمواطنين والقاعدة الاجتماعية التي مثّلت تقليدياً أساساً للاستقرار السياسي والأمني. فهذه القاعدة اليوم تطرح تساؤلات قلقة جداً عن المستقبل وأوضاعها السياسية والاقتصادية، ولا ترى أفقاً أفضل من المرحلة الحالية المرهقة أصلاً!
المعادلة، إذن، لا تحتمل المزاح، وتتركّب فيها ديناميكيات علاقة الرئيس بالبرلمان والشارع على أسئلة بنيوية، تمسّ النظام السياسي نفسه في لحظة سياسية حرجة ودقيقة.
ضمن هذا السياق يأتي المنعطف المقبل في استحقاق رفع أسعار الكهرباء قبيل شهر رمضان الكريم، في الصيف، وسيكون محطّة للصراع السياسي تحت القبة وخارجها، وإذا لم يعد له الرئيس وفريقه جيّداً من الآن، فسيكون منزلقا خطرا، لكنّه ما بعد "الحافة"، لأنّ الرئيس يقف حالياً على الحافّة!
m.aburumman@alghad.jo
الغد