بعد أن انفض "سامر الثقة" وذهب كل إلى حيّه، بات من المفترض بالسلطة التنفيذية أن تنظر في كل ما تعطل خلال الفترات الماضية من حياتنا اليومية، وتوجب على السلطة التشريعية الذهاب بجدية أكثر نحو التشريع والنظر في كل مشاريع القوانين المتراكمة على مائدة النواب ومن أهمها "الموازنة" و"المالكين والمستأجرين" و "الضمان" وغيرها.
الناس بحاجة لفعل جدي ملموس على أرض الواقع، يثبت أن حكومتهم جادة كل الجد في محاربة الفساد، وفي رفع مستوى معيشة الفرد، ومعالجة اختلالات المجتمع، ووضع حد لكل من تطاول على حق الآخر دون وجه حق، والسير بجدية في طريق الإصلاح دون إضاعة للوقت، ودون الاستعانة بشعارات مستهلكة باتت ممجوجة للعامة، ومحفوظة عن ظهر قلب.
الناس بحاجة لحكومة تعيد هيبة الدولة، والتوازن المفقود في المجتمع، وتضع أمام عينيها ميزان الحق في العمل، وإعادة الاعتبار للدولة بعد أن فعل فيها "فيروس" الواسطة والمحسوبية فعلته، وبعد أن قسّم البعض الناس لفئات، قليلة محظوظة، وسواد معدم، وبعد أن نخر الفساد قوى المجتمع دون أن نلمس نية صافية في ملاحقة الفاعلين والفاسدين والمفسدين.
لا نريد من يطلب وقتا لإثبات الوجود، ويتلحف بصدق النوايا في سبيل إضاعة الوقت، فالوقت كالسيف وضاغط أكثر مما يعتقد البعض، خاصة أن الثقة بين الحكومات والمجتمع في الحضيض، وباتت عملية إعادة الثقة تتطلب جهودا خرافية، ورجال دولة غير تقليديين.
إن الحكومة الحالية التي حصلت على ثقة مجلس النواب السابع عشر، عليها أيضا أن تحصل على ثقة الشعب بها، وتتعامل معه بشفافية غير مسبوقة، وتبتعد عن قواعد النفي والتكذيب التي عودتنا عليها حكومات سابقة دون أن تذهب باتجاه العمل والإنجاز.
تعودنا سابقا أن المهل التي تمنح لأي حكومة جديدة لم تعطِ أُكُلَها، ولم تكن تلك المهل فرصة للحكومات لتقديم رؤى تقنع المواطن بالنية في الإصلاح والارتقاء بالوطن والمواطن، وإنهاء آفة الفساد، وقطع دابر الواسطة والمحسوبية والشللية والمناطقية والجهوية.
لا أريد وضع العربة أمام الحصان والخروج باستنتاجات مسبقة عن سيرورة الحكومة الحالية، ولا أريد أن أعرّج على نيتها في توسيع فريق الحكومة ليشمل نوابا عبر تعديل وزاري سريع، ولكن الخوف أن تنزلق الحكومة في المنحدر ذاته الذي انزلقت فيه حكومات سابقة، ويكون هدفها حرق مراحل دون التقدم نحو التطور الحقيقي الذي يمكن البناء عليه لاحقا، أو البقاء في الدوار الرابع أكثر مدة ممكنة، فوقتها ستكون النتائج أكثر سلبية، وسيكون الفعل أكثر حدة، وسنكون قد أعدنا اجترار تجارب سابقة، دون أن نخمّن لأي درجة وصل حنق المواطن على معيشته وحكومته، ولأي مرحلة وصلت درجة غليانه.
أما السلطة التشريعية، فالأمل مرهون بأن يخرج نواب "السابع عشر" من قوقعتهم الحالية، ويبتعدوا عن منطق الاصطفافات غير المتوازنة التي لا تبني وطنا، ولا تصلح مجتمعا، ويذهبوا بجدية نحو التشريع، ويخلعوا ثوب الخوف والترقب والتردد، ويقدموا مستوى راقيا من القدرة على التشريع والرقابة.
وفي هذا المقام لا أريد أن أبدو متشائما أكثر مما يجب، ولكنني أريد أن أرى نصف الكأس المليء، وأمنّي النفس بأن ينتفض المجلس الحالي على نفسه، ويقدم مستوى تشريعيا ورقابيا مخالفا لما رأيناه خلال الشهور الأربعة المنصرمة، ويقنعنا بأن لديه القدرة والمَكَنَة بأن يكون مختلفا عن مجالس سابقة.
Jihad.mansi@alghad.jo
الغد