الأردن ما بعد زيارة واشنطن
د. عامر السبايلة
28-04-2013 05:51 AM
الملك عبد الله اختار الوقت الذي يسبق اللقاء بالرئيس الأمريكي ليؤكد استحالة التدخل العسكري الاردني في سوريا, و ان كل ما يقال عن ذلك بعيد عن الصواب.
مع اختتام زيارة الملك عبد الله الثاني الى واشنطن لم تظهر –كما كان متوقعاً- اي نية فعلية لتحول الموقف الامريكي تجاه سوريا على الأرض. على العكس تماماً, استخدم الرئيس الامريكي لغة تميل الى التهدئة فيما يتعلق بذريعة السلاح الكيميائي الذي تعاظم الحديث عن استخدامه في سوريا مؤخراً و بصورة مفاجئة. طريقة التطرق الأمريكي لاستخدام السلاح الكيماوي أظهرت رغبة الولايات المتحدة باستخدام هذه التهم كورقة تفاوضية ضاغطة على موسكو و داعمة للرؤية الأمريكية بشكل التسوية النهائي.
الملفت للنظر ,أيضاً, ان الرئيس أوباما اشار بوضوح الى رغبة الولايات المتحدة الاستماع الى وجهة النظر الاردنية المتعلقة بطبيعة التعامل مع تطورات الأزمة السورية و التي وصفها الرئيس الامريكي ب "النصائح", الامر الذي يشير ضمناً الى عدم تبلور رؤية أمريكية حقيقية لطبيعة التعامل مع المسألة السورية. أوباما أشار الى ضرورة العمل على انجاز الانتقال السياسي في سوريا بحيث تكون سوريا الجديدة, ديمقراطية تعددية, لكن مع التأكيد ان الرئيس الأسد فقد شرعية البقاء في الحكم.
من ناحية أخرى, تساءل كثير من المحللين عن دوافع الاردن باللجوء الى مجلس الامن فيما يتعلق بمسألة اللاجئين السوريين. حيث رأى البعض ان هذه الخطوة قد تؤسس لفكرة المنطقة العازلة داخل الاراضي السورية وفقاً للرؤية الامريكي. الحقيقة أن خطوة الأردن الهادفة الى نقل ملف اللاجئين السوريين الى مجلس الأمن, قد تهدف في حقيقتها الى اعادة الكرة الى مجلس الأمن و بالتالي التحرر من الضغوط الفردية التي يتعرض لها الأردن عن طريق السعي الى ايجاد صيغة توافقات دولية تجمع جميع الأطراف, خصوصاً أن عودة الملف الى مجلس الأمن يعني بالضرورة المشاركة الروسية- الصينية في صياغة الشكل النهائي لطبيعة التعامل مع هذا الملف و تبعاته سواء كانت فرضية المنطقة الانسانية العازلة او حتى التدخل الأممي في سوريا. هنا قد تنتهي كل هذه الفرضيات ضمن الملعب الأممي مجدداً عبر فيتو روسي صيني محتمل.
من الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي أشار ضمناً الى ضرورة اغتنام فرصة تحقيق السلام في المنطقة, حيث ان عملية السلام تتصدر الأولويات الأمريكية. أوباما جدد طلبه من الأردن بلعب دور فعال على صعيد الموافقة بين الاسرائيلين و الفلسطينيين من جهة, و من جهة أخرى العمل على انجاز قاعدة تطبيع اوسع بين الكيان الاسرائيلي و محيطه العربي.
أهم ما لفت الانظار في حديث الملك عبدالله هو الاشارة الصريحة الى مثلث التحالف الاردني الاماراتي السعودي. حيث اشار الملك عبد الله الى وجود ولي العهد الاماراتي محمد بن زايد في واشنطن, في اشارة ضمنية لضرورة ان يستمع الرئيس أوباما لرؤية الشيخ الاماراتي المتفقة مع الرؤية الأردنية, حيث وصفه الملك بالحليف الاستراتيجي للأردن بالإضافة الى المملكة العربية السعودية.
على الصعيد الاقليمي, مضت روسيا في المقابل قدماً في مواجهة السيناريو الأمريكي الهادف الى فرض طوق محكم على سوريا عبر محيطها الجغرافي. فبعد انهاء زيارة وزير الخارجية لافروف الى أنقرة, اتجه نائبه بوغدانوف الى لبنان. في تلك الاثناء شهدت الجهتين الحدوديتين الأردنية و العراقية حالات من التصعيد. تلويح بتفعيل الحدود الاردنية باتجاه سوريا و الحديث عن تحضيرات عسكرية على الحدود. اما انعكاسات ضبط الحدود العراقية مع سوريا فتظهر بوضوح على الساحة العراقية عبر عمليات تستهدف تأزيم الداخل و التلويح بالحرب الأهلية و الانقسامات التي تغذيها –وفقاً لكثير من التقارير الاستخباراتية- دول اقليمية متورطة في الداخل العراقي. وفقاً لهذا التنافس الروسي – الأمريكي فان الساحة الأردنية قد تكون على موعد مع انفتاح روسي قريب خصوصاً بعد التواصل الروسي الأخير مع جبهتي لبنان و تركيا.
ان استمرار الصراع على شكل التسوية السياسية في سوريا قد يؤدي الى توسع شكل التجاذبات و الصدامات. ضمن هذه المعادلة يتحول الأردن مؤخراً الى أداة توظيف امريكية تهدف الى خرق معادلات التسوية و بالتالي تحسين موقع الولايات المتحدة التفاوضي مستقبلاً, الأمر الذي يؤهل واشنطن لفرض شروطها كاملة. الخطر الأكبر ضمن هذا المسار الشائك يتمثل باحتمالية تحول أماكن الضغوطات هذه الى مسرح للتصفيات أيضاً.
في النهاية ان أجمل ما يلخص صعوبة الوصول الى الحل في سوريا هو تعبير أحد الدبلوماسيين القائل: "حجم الصراع خارج سوريا هو أكبر من حجم الصراع داخل سوريا."