ليس في نية الولايات المتحدة التدخل عسكريا في سورية، إلا إذا ثبت أن نظام بشار الأسد يستخدم الأسلحة الكيماوية. وفي مثل هذه الحالة، فإن التدخل لن يكون تقليديا على غرار ما حصل في العراق مثلا. الحروب أرهقت أميركا، كما يقول ساسة أميركيون هنا في واشنطن.
ولذلك، ينبغي على المؤيدين والمعارضين للنظام السوري أن لا يذهبوا بعيدا في توقعاتهم بشأن وجود 200 جندي أميركي على الأراضي الأردنية. طوال السنوات السابقة من التعاون العسكري بين البلدين، كان معدل التواجد العسكري الأميركي في الأردن بهذه الحدود، يقابلهم في أحيان كثيرة عدد مماثل أو أقل من الأردنيين الذين يشاركون في دورات وبرامج تدريبية في أميركا.
منذ وصول الملك إلى واشنطن قبل نحو أسبوع، وهو يعلن يوميا أن الجيش الأردني لن يتخطى الحدود مع سورية مهما كانت الظروف. وفي اجتماعاته مع أكثر "اللوبيات" عداء للنظام السوري، كان الملك يعلن بشكل قاطع معارضته لوجود جندي أميركي واحد على الأراضي السورية.
التدخل العسكري الأجنبي لن يحل المشكلة في سورية. بمعنى آخر، يمكن القول إن الأزمة السورية تجاوزت في تعقيداتها فرص الحل بالتدخل الأجنبي. سقوط النظام لا يعني نهاية المأساة في سورية؛ المعارضة السورية مشتتة ومفككة حسب تعبير أحد المسؤولين الأردنيين. وفي الاجتماع الأخير لأصدقاء سورية في إسطنبول، قال مسؤول أردني للمجتمعين هناك: "قبل توحيد المعارضة السورية، يتعين علينا توحيد مواقف أصدقاء سورية". معاذ الخطيب الذي حضر جانبا من الاجتماعات، بدا محبطا من الوضع الحالي. وعلى الأرض في سورية، ثمة مخاطر لا تقتصر على نفوذ جبهة النصرة المحسوبة على تنظيم القاعدة فقط؛ برأي مسؤول أردني، فإن جبهة النصرة تبدو "حركة كشفية" إذا ما قورنت بمجموعات أخرى تقاتل هناك، وتتمتع بنفوذ كبير.
المفارقة أن الذين تظاهروا في شوارع عمان ومدن أخرى أمس ضد التدخل الأجنبي في سورية، وضد وجود القوات الأميركية في الأردن، ينقسمون بين مؤيد للنظام السوري ومؤيد للمعارضة السورية، وكلا الطرفين ضغطا وما يزالان كي ينحاز الأردن لوجهة نظرهما، بدون أن يعتبرا ذلك توريطا للأردن في الصراع!
من يؤيد النظام السوري ويعارض وجود قوات أجنبية في الأردن، ينسى أن هناك وجودا أجنبيا "روسيا" كبيرا على الأراضي السورية. ومن يؤيد المعارضة، كان حتى الأمس القريب يدعو حلف "الناتو" إلى التدخل عسكريا في سورية.
الإشكالية في الجدل الدائر حول وجود 200 جندي في الأردن، والموقف من الأزمة في سورية، هي أن طرفي الخلاف على المستوى الأردني يفكران في مصير سورية وليس مصالح الأردن الذي يواجه أكبر تحد اقليمي في العقدين الأخيرين.
المطلوب حماية الأردن من تبعات الأزمة في سورية. أما حسم الصراع في الجار الشمالي، فقد أصبح خارج قدرة جميع الأطراف.
من يصدق أن الولايات المتحدة تريد احتلال سورية بمئتي جندي؟
الغد