رغم التطمينات التي أرسلها رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، في ماراثون الثقة الأسبوع الماضي، بخصوص التنسيق والتشاور، واستنفاد الحلول قبل اتخاذ قرار رفع أسعار الكهرباء، إلا أن الواقع يقول إن الرئيس سيفعلها حتما. فالقرار أكبر من الحكومة، وهو يشكل أحد التعهدات لصندوق النقد الدولي، والتي حصلت البلاد بموجبها على قرض من الصندوق، وذلك برفع أسعار الكهرباء تدريجيا، بدءاً من 16 % ووصولا إلى إلغاء الدعم الحكومي خلال سنوات.
القرار بموجب تعهدات الحكومة للصندوق، يجب أن يتخذ في حزيران (يونيو) المقبل، الامر الذي لم يعد خافيا على الأردنيين. وعبارة الرئيس "بعد استنفاد جميع الحلول" لا تدعو إلى الطمأنينة، إذ اختبر الأردنيون هذه العبارة في تشرين الثاني (أكتوبر) الماضي عندما ألغت الحكومة الدعم عن أسعار المشتقات النفطية، وتركت المستهلك المحلي بكل قدراته الضعيفة رهينة لتقلبات أسعار الطاقة العالمية، تنفيذا لاتفاقات مبرمة مع جهات التمويل الدولية، وتحملت الحكومة، ومعها الدولة، التداعيات الكبيرة التي تبعت هذا القرار من خلال الاحتجاجات الشعبية.
وقبل أيام، لم يخف وزير الطاقة والثروة المعدنية المهندس مالك الكباريتي، مخاوف الحكومة من أن مديونية شركة الكهرباء الوطنية ستصل إلى 4 مليارات دينار أواخر العام الحالي، إذا لم تقم الحكومة برفع أسعار الكهرباء. علما أن الكباريتي كان يعبر عن هذه المخاوف في مؤتمر الطاقة بوصفه مندوبا عن رئيس الوزراء. ولم ينس الوزير التذكير بحجم العبء الذي تتحمله الخزينة من ارتفاع كلفة الطاقة المستوردة، والتي بلغت العام الماضي 6.4 مليار دينار، وشكلت ما نسبته 20 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالعودة إلى عبارة الحكومة "استنفاد جميع الحلول"، فلا يبدو في الأفق أن هناك حلولا سحرية، أو أخرى ستهبط من السماء، تخلص الفاتورة النفطية من عجزها المستمر، ولم تقدم الحكومة ولا البرلمان، ومثلهما الأحزاب والمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، أي حلول بدورها. ومن المرتقب أن تطل علينا الحكومة قريبا لتقول إن كميات الغاز المصري التي تصلنا ليست كافية، وإن مديونية شركة الكهرباء وصلت إلى مستويات خطيرة لا يمكن السكوت عليها، وإن رفع أسعار الكهرباء التدريجي سيحقق للاقتصاد استقرارا يعد ضرورة للبلاد في هذه المرحلة الخطيرة بتقلباتها الإقليمية والدولية، وإن الحكومة ستتحمل تبعات القرار وستمضي فيه، وأنها تعد العدة لمواجهة استحقاقاته.
ولا أحسب أن مساعي الحكومة للاتفاق مع شركات متعددة لتوليد ما يقارب ألف ميغاواط من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة (الرياح والشمس)، بحلول أواخر العام الحالي، ستكون حلا سهلا وسريعا لأزمة الطاقة العاجلة. والتوقعات تشير إلى أن قرار رفع أسعار الكهرباء قد يتخذ في حزيران (يونيو) المقبل، بينما كل الحلول، بما فيها تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الاستيراد، تحتاج إلى وقت قد يطول سنوات، علاوة على كونها حلولا لجزء صغير من إجمالي حجم الأزمة.
المناورات التي شهدتها جلسات الثقة، ومثلها التطمينات التي ترسلها الحكومة من وقت لآخر، لا تنفي حقيقة ماثلة أمام الجميع، مفادها أن قرار رفع أسعار الكهرباء سيتحقق في غضون أسابيع، وأن عملية "استنفاد الحلول" ستكون سريعة، ومثلها تمرير القرار من قبل مجلس النواب؛ وهي مهمة سهلة في تقديري، باعتبار أن المشروع الاقتصادي غائب تحت القبة، والحكومة هي صاحبة "خطة الإنقاذ الاقتصادية"، وتحاول حل المشاكل والأزمات والعجز المتفاقم بطريقة منفردة، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن قرض صندوق النقد الدولي مستمر؛ إذ وصلت دفعتان، والخزينة تنتظر الدفعة الثالثة.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد