داودية : لا أسعى لتأسيس حزب
25-04-2013 11:43 AM
عمون - حاوره: محمد خير الرواشدة
يتابع المخضرم محمد داودية المشهد السياسي، ويسعى لتوثيق ملاحظاته، ويريد من ذلك أن يخرج بتشخيص دقيق للحالة الراهنة والقدرة على التنبؤ بتداعياتها.
داودية وبعد “معمعان” الانتخابات الأخيرة، إذ أخفقت قائمته بالنجاح؛ وبفارق 80 صوتا، بدأ يؤسس لحراك جديد مع مجموعة من شركائه السياسيين، تحت اسم “تيار التغيير الديمقراطي”.
الدبلوماسي داودية المنهمك اليوم بتنفيذ برنامج زيارات لقرى ومحافظات في المملكة بغية التواصل مع شركائه في الانتخابات الأخيرة، نفى أن تكون لزياراته علاقة بتشكيل حزب سياسي.
لا ينفي الوزير الأسبق في عدة حكومات إحباطه السياسي، ويقول “أما الإحباط فهو ليس حكرا عليّ بل هو مناخ عام يشمل البلد كلها”.
الحزبي والناشط السياسي في زمن الأحكام العرفية، والناشط الشبابي والكاتب الصحفي والوزير في عدة حكومات والدبلوماسي في أكثر من بلد، يكشف لـ”الغد” حبلا من مبررات إحباطات تجربته السياسية خلال الـ25 عاما الماضية.
يخلص إلى القول: “مشكلتي الكبرى أنني مستقل، أقول رأيي بدون حسابات”.
يؤكد داودية أهمية عودة الحياة الحزبية للبلاد، لكن على أسس راسخة وبرامج حقيقية.
وينأى بنفسه عن الانتساب للنخبة التقليدية؛ ويؤكد انتماءه لطبقة سياسية تقدمية حداثية.
لا يطمح داودية لقيادة أي مشروع سياسي، فهو الزاهد، على حد قوله، في أن يكون على رأس أي مجموعة، لكنه الراغب في أن يكون ناشطا حيويا، وبخاطره أن يترك لحماس الشباب القيادة، وأن يكتفي وجيله بتوجيه النصيحة.
ومع ذلك ما يزال بخاطره حديث، قديم جديد؛ عن ضرورة نزع فتيل الألغام من طريق العمل الحزبي، وبما يكرس هوية التعددية السياسية.
الحوار مع السياسي داودية يفتح على صفحات من مخاض تجربة سياسية لشخصية بدأت من المعارضة واستمرت معارِضة، لكن تحت مظلة النظام وسقف المؤسسات الدستورية، وهو ما يشجع على مطالعة رأيه في مآلات الأحداث السياسية.
وفيما يلي نص الحوار..
• كنت من النخبة السياسية الأشد حماسة لفكرة المشاركة في الانتخابات، وقد نظّرت مجموعتكم (مازن الساكت، مهند القضاة، عبدالله أبو رمّان، منذر مكاحلة، و...) لفكرة “المسؤولية الوطنية” وعدم ترك الساحة السياسية لـ”انتهازيين”، وبعد جولات من الحوار مع أحزاب “حشد والشيوعي والبعثيين والحركة الشعبية القومية والوحدة الشعبية” وقيادات في الحراك وسياسيين ونخب قررت مجموعتكم خوض الانتخابات بقائمة عامة، ثم بدا واضحا أن داودية اليوم يعيش حالة إحباط سياسي، نتابعه من خلال صفحتك على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ومواقفك التي تعلنها في مناسبات متعددة؟
- صحيح، كنا من أشد المتحمسين لإجراء الانتخابات، ومع كل ملاحظتنا على المعطيات السياسية وقتها، لكننا كنا مؤمنين بأن الفراغ السياسي في الانتخابات يعني بروز القوى الانتهازية وقوى المال السياسي وقوى الشد الخلفي وممثلي أباطرة الفساد، وترك مقاعد البرلمان لأشباه السياسيين الذين يبحثون عن ثغرة ليدخلوا منها ليحققوا مصالح أنانية، أما الإحباط فهو ليس حكرا عليّ بل هو مناخ عام يشمل البلد كلها!!
أنا لست مع مقاطعة الانتخابات، وأعلنت احترامي لرأي وموقف وحق من يقاطع الانتخابات وخاصة الحركة الإسلامية التي تجمعني بكل قياداتها أطيب العلاقات وأرقاها وهم إخوتي الذين أحترمهم ولا أشك في غيرتهم ووطنيتهم، رغم مآخذي السياسية عليهم وشكوكي في قدرتهم على مغالبة المغالبة لو تولوا المسؤولية، وهم كقوى سياسية محافظة تربطنا بهم جدلية “الوحدة والصراع”، نشتبك معها في الحوار، لكننا لا نختلف على الثوابت الوطنية، وقد نصل معهم لرؤية إصلاحية مشتركة، انطلاقا من قناعتي بالمعارضة التي سجلتها في خطة التنمية السياسية العام 2004 أن “المعارضة ضرورة وليست ضررا”.
وبعد قرار الحركة مقاطعة الانتخابات خشيت وغيري من الغيورين من حدوث الفراغ في أركان الوطن الدستورية، التي يشكل مجلس النواب ركنا صلبا منها، وبادرنا لخلق فرص لحمل المسؤولية، كل بمقدار طاقته، خضنا في حوار طويل مرير مع أصدقاء وشركاء سياسيين، واستقررنا على فكرة المشاركة الفاعلة في الانتخابات، وقلنا: إننا ندعم جهود أي شخصية وطنية أو مجموعة تريد الترشح للانتخابات، لكن أكثرها عزف عن المشاركة بتأثير “الألو”!!
إن أزمة الثقة بنزاهة الانتخابات التي أعلن المزورون السابقون عن مقارفاتهم في انتخابات 2007 و2010 كانت من أبرز المعيقات أمام أي مشاركة وطنية جادة، وسيظل عيب وجريمة تزوير الانتخابات النيابية الأردنية محبطا للنخب السياسية والشارع الأردني لأمد غير منظور.
ولأننا مؤمنون بفكرة المشاركة الفاعلة قررنا خوضها بأنفسنا، لكن تبين لنا أن “المعيقات” ما تزال أكبر من قدرتنا على تجاوزها وتجلى أن المقاطعين خشية التزوير كانوا على صواب وكنا على ضلال!.
• هل هذا قرار منك بتغيير موقفك من المشاركة السياسية الفاعلة؟
- إطلاقا، ما زلت مقتنعا بضرورة المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية، يجب أن لا نكون عدميين، ويجب أن يأخذ كل واحد منا على عاتقه واجب العمل من أجل التغيير الإيجابي في خريطة الحياة السياسية، ودفع مسيرة الإصلاح السياسي.
لكن اقتصار ذلك على الجهود الفردية لن يأتي بنتيجة، ولن يكون ذا جدوى، والانشداد الى “بندول” الإصلاح أو الأمن هو بهتان لذلك، فالمطلوب منا جميعا أن نتكاتف وأن نتشارك في وضع أطر عامة تحدد مسارنا نحو تحقيق مشروعنا الإصلاحي الأردني الذي تحدد في أكثر من بيئة، كالأجندة الوطنية ومقررات لجنة الحوار الوطني وأيضا الاستخلاصات الوطنية العميقة من الانتخابات النيابية 2013.
• إذن، هل تعتزم إنشاء حزب من أجل هذا الهدف؟
- حقيقة أنا لا أسعى لتأسيس حزب، فإمكاناتي المادية والبدنية لا تساعد، لكنني قد أتميز بالقدرات التنظيمية النابعة من تجربة طويلة والمستندة الى طبيعتي في الحرص على التجدد والثقة بالجيل الجديد، وعلى الرغم من أن عددا من شركاء وداعمي قائمة التغيير 44 التي خاضت الانتخابات عن مقاعد الدائرة العامة، يطالبون بتأسيس حزب، إلا أنني أعتقد أن الفرصة ليست مواتية لمشروع/ تيار بحجم حزب سياسي.
لكننا نجتمع ونتناقش ونحاول أن نتلمس الشروط الجديدة الحديثة لبناء حزب حديث جديد وإرساء التوافقات على الخطوات المستقبلية والبرامج التي تعبر عن طموح الشارع، لذلك قد يكون هناك حديث عن حزب سياسي، لكن أصدقك القول بأن الظروف الراهنة لا تساعد على ذلك، ولعلني أشيد ببارقة الأمل التي مثلها تداعي الشيوعيين الأردنيين الى إعادة بناء إطارهم السياسي المرتقب الذي نحتاجه بشدة.
• لكنك تقوم بزيارات لقرى ومحافظات في المملكة وتلتقي مواطنين، وهناك أنباء ينقلها مجالسوك عن حوار عميق حول الأوضاع الراهنة؟
- كلامك صحيح، أنا فعلا أزور الأصدقاء والمجموعات التي ساندتني في الانتخابات، وهؤلاء أصحاب فضل، من واجبي زيارتهم والتواصل معهم والتعلم منهم، ثم إن هؤلاء شركاء سياسيون أشعر بضرورة استمرار هذه الشراكة المحترمة معهم؛ فقد خرجت من معمعان الانتخابات بصداقات ثمينة لا تقدر بمال.
نحن نناقش فكرة تأسيس الحزب؛ وقلت لك إن هناك مطالبات ملحة بذلك، لكن لا أعتقد أن إمكاناتنا تسمح، فالحزب يحتاج الى مال وفير ومتفرغين وتقنيات ومقار ليتمكن من النفاذ الى مناطق التجمعات السكانية في قرى ومحافظات المملكة، وليعرض رؤيته وبرامجه من أجل ضمان مشاركتهم في صياغة أفكار الحزب، أما عن البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ فالخريطة واضحة ولا تحتاج لأكثر من تثبيتها على الورق بعد إجراء نقاش موسع حولها، حتى تكون ممثلة لأماني المواطنين وطموحاتهم.
• لكن وقبل الحديث عن الحالة الحزبية، ومتطلبات ولادة أحزاب برامجية واقعية جديدة، هل كانت تجربة إجراء الانتخابات الأخيرة ناجحة، حتى ولو لم تنجح قائمة التغيير 44 التي ترأستها؟
- المعيار في الحكم على الانتخابات الأخيرة؛ ليس بنجاح أحد أو رسوبه، (خسرت بفارق 80 صوتا !!!) المعيار هو الإجابة عن السؤال التالي: هل فعلا أجرينا انتخابات نزيهة؟ باعتقادي أن هناك مراحل في العملية الانتخابية شابتها أخطاء واختلالات وتدخلات بغيضة.
الانتخابات الأخيرة ونتائجها كانت محبطة، كما أن التلاعب فيها جاء على مراحل، والتلاعب هنا؛ ليس المقصود فيه وضع الأصوات في الصناديق، بل إن هناك مالا أسود وتجاوزات فردية هائلة، وثغرات قانونية، وكان الداء يوم الانتخابات فاجعا وفوضويا، كل ذلك أثر بشكل واضح على النتائج، لذلك أنا مقتنع بأن هناك تدخلات سبقت يوم الاقتراع، واختلالات كانت خلال الاقتراع، وتدخلات واختلالات جاءت بعد الاقتراع وإعلان النتائج.
هنا قد يكون مؤسفا أن تكون الهيئة المستقلة للانتخاب التي هي عنوان إصلاحي أصيل، كانت عنوانا بدون محتوى، وأشير مثلا إلى السقطة الكبيرة في انتخابات دائرة فقوع، فقد كان معروفا على وجه الدقة أن الانتخابات هناك كانت مشوبة بما قررته المحكمة لاحقا من دواعي البطلان، لكن الهيئة المستقلة أعلنت نتائج انتخابات عرفت أنها انتخابات تمت تحت تهديد السلاح!!
باعتقادي أن الهيئة في أول تجربة لها لم توفق في عملها، والنتيجة أن هناك طعونا في الانتخابات، ولا أقصد الطعون القضائية، بل أقصد أن هناك طعنا شعبيا في نزاهة الانتخابات، ونتيجة لغياب الحجة المقنعة والأدلة الدامغة في تفنيد ذلك، حيث لم تنجح الهيئة ولا الحكومة في إقناع الناخبين بنتائج الانتخابات ومستوى تمثيل مجلس النواب السابع عشر لطموح الناس في الإصلاح والتغيير.
• قد نحتاج منك توضيحا حول التدخلات والاختلالات التي رافقت مراحل العملية الانتخابية؟
- القوائم العامة التي “رُشحت” للانتخابات تركت أسئلة عن “ربط الأصوات” وتكسير مقاعد القائمة التي يجب أن يجلس أعضاؤها تحت قبة البرلمان وهم متفقون على عناوين الشراكة السياسية فيما بينهم.
لكن بعد أن ترشحت 61 قائمة وبعد أن توزعت وهدرت أصوات الناخبين عليها، صارت نتائج مقاعد الدائرة العامة كنتائج مقاعد الدوائر المحلية، أي أنها لم تحقق الغاية منها، وهو إنشاء جسم سياسي يكون نواة عمل كتلوي برلماني يؤسس للأغلبية البرلمانية.
انظر الى خريطة نواب الدائرة العامة، 9 نواب فازوا عن 4 قوائم، وباقي الناجحين دخلوا فرادى، ثم لك أن تتأمل حصة الأحزاب من مقاعد الدائرة العامة؛ حيث لم تحظ كل الأحزاب التي ترشحت في قوائم إلا بحصة من 5-7 مقاعد عن الدائرة العامة.
هذه عملية عبثية، كان من السهل على أصحاب القرار التنبه لها ومعالجتها، لكن باعتقادي أن هناك من تقصد دعم قوائم بالعشرات للترشح للانتخابات من أجل رفع نسبة المشاركة وبالتالي الرد على مقاطعي الانتخابات الذين شككوا في قدرة القانون الحالي على توفير نصاب سياسي لمشاركة الناخبين.
كما أن التراخي الرسمي في مكافحة المال الأسود والسيطرة على السفه المالي في الدعاية الانتخابية، أدى الى ضياع حرية المواطن في الاختيار.
• لكن هناك مرشحون تم توقيفهم، كما أن النواب الذين فازوا بالانتخابات وهم موقوفون ما تزال قضاياهم في المحاكم؟
- كلام صحيح، لكن جهود مكافحة جريمة شراء الأصوات الانتخابية، كانت متأخرة، ولم تفلح كثيرا في ردع سماسرة الأصوات أو الحد من مظاهر المال الأسود التي أثرت وبشكل كبير على خيارات الناخبين.
هذا قطعا عدا عن الدعم الصريح لعدد من القوائم العامة ومرشحيها، وهو الدعم الذي أثر بشكل واضح على النتائج من خلال ما تم إنفاقه على حملات الدعاية الانتخابية، والتي أثرت على وعي المواطن وصادرت فرص التنافس الشريف مع القوائم الفقيرة التي جمعت تبرعاتها بالدينار من أجل دفع رسوم ترشح أعضائها وإنشاء مقر انتخابي والإنفاق على جولات المحافظات.
لو جرت الانتخابات في أجواء نظيفة، لكنا سعداء مهما كانت النتائج، أما “تلطيخ” مراحل في العملية الانتخابية، فهذا أمر ترك في خواطرنا أسئلة كبيرة، فهل فعلا أسدلنا الستارة على حقبة تزوير الانتخابات النيابية؟!.
وهنا، أسجل استغرابي: ما الحكمة من دعم طرف على حساب طرف، فالمعارضة قاطعت الانتخابات، وأقصد الإسلاميين، وبالتالي لا يوجد فرق بين جميع المرشحين، لأنهم جميعا خاضوا الانتخابات استجابة للحظة السياسية وقناعة بمبدأ المشاركة الإيجابية، والفرق بينهم يكاد ينحصر في أسماء القوائم وبعض تفاصيل البرنامج الإصلاحي، لكن الفرق الجوهري بينهم كان في القدرة على تطبيق البرامج التي قرأها الناخبون، أما عن الجدوى السياسية من تخليق أحزاب وتركيب أطراف اصطناعية لها لتكون المكافئ الموضوعي للحركة الإسلامية، فلا أعتقد بنجاح ذلك إلا ظاهريا موقوتا؟؟؟
• الحديث لا ينتهي عن تعديل قانون الأحزاب والانتخاب؛ ما هو شكل تعديل هذين القانونين برأيك؟
- بداية استند وأدعم توصيات ومقررات لجنة الحوار الوطني في هذين الشأنين الكبيرين، لكن الخطر على الإصلاح اليوم يتمثل في تسيد قوى الجمود في الدولة الأردنية وتصدرها سدة القرار، وأعتقد وبعد تجربة الانتخابات الأخيرة، أنه يجب أن نناقش مطولا مسألة القائمة العامة، فالتجربة أثبتت أن القائمة العامة يجب أن تكون محددة في إطار سياسي يحقق المصلحة منها، كما يجب أن تكون قائمة حزبية.
وأخشى أن نقوم بتعديل قانون الانتخاب وفق هذه الصيغة بدون التنبه لفوضى تأسيس الأحزاب وفق المعايير الحالية، فنستبدل فوضى القوائم العامة التي ترشحت في الانتخابات السابقة، بفوضى القوائم الحزبية التي قد تترشح بموجب سهولة تشكيل الأحزاب.
يجب أن يكون هناك ربط سياسي وجدلي بين تعديلي القانونين، لأن كليهما سيشكلان ملامح الحياة السياسية والديمقراطية المقبولة وطنيا.
• هناك من يقول بأنك انتقلت إلى المعارضة، نتيجة مواقفك الحادة بعد الانتخابات الأخيرة؟
- دعهم يقولون ما يشاءون، الأهم من كلامهم، هو أن تجربتنا السياسية أنا وأبناء جيلي، كانت تجربة تشهد لنا بأننا كنا معارضة صلبة من داخل النظام، وكنا تيارا مع الحريات العامة ودولة المواطنة والتقدم والعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، وكنا جبهة ضد الفساد بالكتابة والعمل السياسي المباشر، حتى وقبل أن ننخرط في العمل الرسمي في مواقع متعددة وكثيرة، وإبان فترة العمل الحزبي السري والعلني كانت مواقفنا سياسية، ولم تكن مواقف انقلابية.
كما كنا نعبر عن المواقف التي نعتقد بصوابيتها أمام الجميع وبدون امتلاك خطابين أو ثلاثة، فقد كان خطابنا داخل الغرف المغلقة وفي الساحات المفتوحة خطابا واحدا.
صحيح أن الراحل الملك الحسين رحمه الله استوعبنا من خلال سعة أفقه وسعة أفق البطانة التي اصطفاها وكانت تحيط به، لكن لم يكن هناك صفقة منحنا فيها مواقع قيادية فغيرت مواقفنا السياسية.
أنا وغيري ما زلنا وسنظل معارضة دستورية إيجابية، نقول رأينا بدون تكلف ولا مجاملة، لأننا نعتقد وبدون ادعاء أن مواقفنا تسد الكثير من الثغرات.
• أنت وبعض أبناء جيلك، هذا يشي بموقف من الذين لم تشملهم بوصفك “معارضة من داخل النظام”؟
- أنا أقصد بأننا “تيار الإصلاح والتغيير التقدمي الحداثي الديمقراطي” ما زلنا نلتقي ونتحاور، وأعتقد أن التقاطعات السياسية بيننا ما تزال موجودة رغم كل المخاض السياسي الذي عشنا تفاصيله كل واحد منا في مجال وقطاع وفترة، لكن ما أردت قوله إن هناك مجموعة من أبناء جيلنا وبعده، انفصلت وانفصمت وقد يكون مناسبا أن أطلق عليها اسم “اليسار الرسمي”، هؤلاء لم يحافظوا على نبلهم فخذلونا بانتهازيتهم، وبانهيار مواقفهم!!.
لم يكتف هؤلاء بالانقلاب على مواقفهم السياسية و”نضالاتهم” السابقة، بل نجدهم وقد تضامنوا وسوغوا لقوى الجمود والتخلف والفساد.
“اليسار الرسمي” يكرس نفسه لبلوغ أهدافه الذاتية والفرق بيننا وبينهم؛ بأننا كنا معارضة لما كان العمل السياسي مُكلفا ومُرهقا، وبعد أن دفعنا ثمن مواقفنا السياسية، وقفا عن العمل ورميا في الحبس ومنعا من السفر وفقرا في الاكتفاء من الحاجات الأساسية، حتى بعد أن صرنا موظفين رسميين وانتمينا الى سلك البيروقراطية لم ننقلب على مواقفنا، بل كنا ظهيرا لكل الأحزاب السياسية داخل مؤسسات الدولة، والمواقف والشواهد على ما أقول كثيرة.
• تتحدث وكأن هناك من وجه لك أو لدورك نقدا منهم؟
- نحن تحت النقد ونحن خطاءون لكننا وغيرنا، وبعد أحداث العام 1988 أقبلنا على العمل السياسي الدستوري الفاعل، وأستطيع التشبيه هنا بأننا كمن اشترى أسهما في شركة مفلسة، فبعد إفلاس الدولة وبعد التحديات السياسية التي كانت تواجهها البلاد، بعد هبة نيسان المجيدة ضد زمرة الفساد كانت كلفة العمل الوطني عالية.
لكن الملك الراحل الحسين وبأفقه الرحب الواسع استطاع أن يفهم دورنا الوطني من خلال معارضتنا الوطنية، فأصبحنا شركاء في المسؤولية.
كنا كشباب تقدميين وقوميين ويساريين نشارك عن وعي في حمل المسؤولية، كنا تيارا إصلاحيا تقدميا يعمل تحت مظلة النظام وليس خارجها، بدون أن نغير في جوهر مواقفنا من ضرورة الإصلاح والتغيير وتكريس سمات التحول الديمقراطي وديمومته، نحن كنا نؤمن وما نزال بأن هذا من مصلحة النظام وليس ضده.
• في هذا المجال، هل تصنف نفسك تقليديا في العمل السياسي؟
- أنا أبعد ما أكون عن التقليدية، أصنف نفسي من تيار التجديد الحداثي التقدمي، وأنا لست من السياسيين الذين يبحثون دوما عن المقدمة والصدارة في العمل السياسي، بل أرغب وأتمنى أن أظل ناشطا وعضوا حيويا في الصفوف الخلفية في مجال العمل العام والسياسي.
يجب أن نعي بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة الشباب، فهم طاقة التفوق، وهم الأبعد عن الحسابات الشخصية، وهم من يمتلكون الطاقة - وأشدد على الطاقة - والحيوية والحماسة والغيرة والإلمام بعناصر الحياة الحديثة والطهر الأعلى والقدرات الكافية للتغيير والبناء، أما نحن فيجب علينا أن نخلص لهم النصيحة وتوجيه الرأي وأن نتحول الى هيئات استشارية.
يجب أن نحترم تجربة الجيل الجديد، وقد أذهلني الشباب أثناء حملتنا الانتخابية، فهو جيل سبقنا في المعرفة والتكنولوجيا، ونحن نسبقه بالتجربة، والإنصاف يقتضي أن نجعل تجربتنا في خدمتهم.
وكل ما نقوم به الآن فقط هو المساهمة في تشكيل مناخ سياسي إصلاحي تقدمي حداثي، وليس شرطا أن نكون قيادات، لكن يكفينا المشاركة في أي عمل وطني يهدف لخير هذا الوطن ونظامه وشعبه.
أنا من الذين يحاولون تشكيل إطار نقاشي فكري تحت مسمى “تيار التغيير الديمقراطي” وقد فتح الشباب النقاش عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ونسعى للاستفادة والإفادة من الآراء المطروحة، كما نتمنى أن يشكل هذا الحوار إطارا فكريا نتشارك ونتوافق فيه على أهداف العمل السياسي في المرحلة المقبلة.
• إذن ما هي عناصر إحباط تجربتنا السياسية؟
- النخبة والإعلام خذلا شعبنا؛ وهنا أقول بالفم الملآن إن انحياز نخبتنا لمصالحها و”حساباتها” الشخصية، والسيطرة على الإعلام، كانا السبب الرئيس في إحباط كل مساعي الإصلاح على مدى الـ25 سنة الماضية.
لقد ضرتنا جدا ممارسات نخبتنا، لأنها تعمل وفق حسابات ضيقة، ولا ترى في أي قرار أو ممارسة سوى ما تحققه من مصالح ومكتسبات، أما الإعلام فقد دمرته السيطرة عليه، فالإعلام الحر المستقل هو محرك المجتمعات في البحث عن تحقيق تطلعاتها.
لكن باختصار، فإن تجليات الدولة العميقة استطاعت السيطرة على هذين العنصرين الأساسيين من محركات التغيير والتطور، طبعا يساعد على هذا أن هناك فقرا في الفكر السياسي وسطحية في تشخيص الواقع، لذلك فإن الحكم على تجربتنا الإصلاحية مرهون بتغيير هذين العنصرين نحو الأفضل؛ النخبة والإعلام.
• هل بذلك تعلل تراجع مقومات الحياة السياسية في الأردن؟
- أنت تستطيع أن ترسم بيدك خطا بيانيا لترى انحدار أداء البرلمانات، وعندها قد تستطيع أن تتحدث عن تقدم أو تراجع الحياة السياسية الأردنية.
فالبرلمان حاضنة العمل السياسي، وهو ماكينة إنتاج النخب السياسية، لذلك فتراجع أداء البرلمان بالضرورة يعني تراجع مقومات الحياة السياسية وضعف محركاتها.
ما نشهده اليوم هو خواء سياسي، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فلو أجريت مقارنة بين الفترة التي نعيش فيها وعقد التسعينيات مثلا، لوجدت كم ضعفت نخبتنا وهزلت وخوت وتراجع دورها في الحياة العامة.
الخواء أيضا صار يسيطر على الشارع، فحتى الشارع لم يعد يفرز قيادات يمكن أن تمارس دورا اجتماعيا أو سياسيا، لذلك فإن التعويل هو على القوى الاجتماعية الجديدة وعلى شباب الحراك “ورد الجناين وزهر الأردن” الذين أعدموا الفساد سياسيا، في أن ينعشوا الحياة السياسية من خلال قيادات شبابية واعية، يمكن لها أن تحقق الزخم المطلوب لدفع مسيرة الإصلاح والتحديث والتطوير.
• هل أنت مع الرأي الذي يقول بتراجع متابعة المواطن لأداء المؤسسات الدستورية، كالحكومة ومجلس النواب؟
- أعتقد أن هذا الرأي صائب، فأنا مثلا أتابع جلسات الثقة بحكومة الدكتور عبدالله النسور من باب الإدمان السياسي وتتبع مسارات حديث النواب ومواقفهم خصوصا وأنه كان بارزا التغميز لليسار والانعطاف لليمين!!.
لكن لا أجد أن الشارع مكترث بما يجري في العبدلي، من مناقشات للنواب ببيان حكومة النسور، سوى بدافع الفرجة على التأرجح بين التهييج والتهريج. وأعتقد أن منح الثقة للحكومة قد فرّغ الكثير من شحنات الآمال الكاذبة التي كانت معلقة على البرلمان، فأي ثقة بعدما جرى في إربد وأي ثقة بالبرلمان بعد طمر ملف فساد الفوسفات!!.
باعتقادي أن هذه النتيجة جاءت في أعقاب تضييع فرصة المشاورات النيابية في اختيار رئيس الوزراء المكلف أو اختيار الفريق الحكومي، لو كان هناك عقلاء فعلا، لثبتوا هذا الشكل السياسي والديمقراطي في تشكيل الحكومات، وأراحوا النظام، وأبعدوا عنه شبهة غياب الجدية في الإصلاح وتردد الإرادة السياسية.
لا أستوعب كيف يكلف الدكتور النسور رئيسا للحكومة وهو يفتقر الى قوى الدفع البرلمانية المتمثلة في كتلة برلمانية يتوكأ عليها وتشاركه البرنامج والتشكيل، لقد انكشفت هشاشة فظيعة في هذا الباب، وما إعطاء الثقة إلا المدخل للتلويح بها كل شهر، مما يسفر عن الخضوع لشتى أشكال الاسترضاء على حساب الكفاءات الوطنية والمال العام.
• هل من مخرج لهذه الحالة التي تشخصها الآن؟
- أعتقد أن الأفق مسدود، بسبب هيمنة قوى الجمود على القرار السياسي وبدون “انتفاضة” ملكية على تلك القوى وفتح النوافذ لتجديد مناخ المملكة فأي وعود ستقنع الناس وتحثهم على المشاركة الفاعلة وتحمل المسؤوليات والقرارات الحكومية الثقيلة؟ سنظل في مهب الاتهام والطعن بالأدوار، لذلك على صناع القرار أن يتدخلوا في حسم الإجابة عن سؤال الإرادة السياسية في الإصلاح والتغيير، أو على الأقل عليهم الضغط على مؤسستي البرلمان والحكومة لتنفيذ إصلاحات جذرية في التشريعات، ومعالجة تشوهات الحياة السياسية، لأن عليهم وبسرعة التعامل مع حالة الإحباط العام، وعند الشباب على وجه التحديد.
• كيف تريد أن يكون موقفنا من الكارثة السورية؟
- إن ضغط الكارثة السورية على بلدنا لا يجب أن يدفعنا الى الهروب للأمام والولوغ في الحمأة السورية المدمرة من أجل ثلاثين من الفضة، فلا حل عسكريا في سورية، وليس تمنيا مني أن أقول إن سقوط النظام الدكتاتوري ليس وشيكا، وإن القطاعات الأساسية في الجيش السوري ما تزال معافاة، وإن الانشقاقات في مختلف المرافق طفيفة، وأنه ثمة تحولات ألمسها في شارعنا تجاه المسألة السورية برمتها بعد تحول سورية الى أمارات وفساطيط للإرهاب وأمراء الحرب والفتوات وبنادق للإيجار لا نعرف متى ترتد علينا وتضرب في شوارعنا.
إن سؤال الأردن هو: ما هي طبيعة النظام الحاكم البديل الذي سنتعامل معه غداة سقوط النظام السوري الحالي؟ هل يمكن لأحد أن يغامر بدعم من لا يعرف والتدخل لتخليق ما يجهل؟.
عن الغد.