فك الطلاسم في نقاشات الثقة
ياسر ابوهلاله
24-04-2013 08:50 PM
في الدولة الحديثة، يوجد مجال عام (Public Sphere) للنقاش السياسي. وهذا المجال ميدانه قبة مجلس النواب، والإعلام، والحكومة، والأحزاب، والنقابات، والجامعات. وهو يختلف تماما عن المجال الخاص؛ بمعنى الحديث في المقاهي وغرف الضيوف والثرثرة بين ربات البيوت. وفي المجال الخاص، يمكن أن يهذر متقاعدون في مقهى بكلام مبني على ذكريات غير دقيقة، وممكن أن يكسر الضيوف الملل بطرائف ونوادر وأكاذيب، تماما كما يمكن لربات البيوت ملء أوقات فراغهن بثرثرة مبنيّة على أحاديث الشعوذة والغيبة والنميمة.
يمكن بسهولة الرجوع إلى محاضر جلسات مجلس النواب الأردني في سنوات التحول الديمقراطي (1989-1993)، وحتى إلى مداولات المجلس الوطني الاستشاري، فضلا عن سنوات النشأة الديمقراطية في الخمسينيات، للتعرف على لغة المجال العام، مقارنة مع مجالس التراجع الديمقراطي عقب "الصوت الواحد". في جلسات الثقة بحكومة عبدالله النسور، استمعنا إلى إرث سنوات التراجع، مع قليل من الاستثناء لنواب يعون معنى المجال العام، ويتحدثون بلغة سياسية.
مقارنة بسيطة مع التصويت (111) في المجلس السابق، نلاحظ أن الربيع العربي الذي شُتم أكثر من الحركة الصهيونية، قد أحدث هزة في أداء المجلس. فبعد أن كانت الثقة هي الأساس وتحصيل حاصل، صار الحجب هو الأساس. وصار الأصل أن يعارض النائب، مغازلة للشارع الذي لم يكن له وزن في المجالس السابقة. لكننا لم نستمع للغة سياسية، ولا لمطالب سياسية، من أكثرية المعارضين الذين أدمنوا الموالاة، ولم يسبق لهم أن حجبوا الثقة عن حكومة.
يوجد نواب حجبوا وتحدثوا بلغة سياسية، ولهم سجل في المعارضة مبني على مواقف. لكنّ معارضي الفجاءة لم نستمع من أي منهم لبرنامج سياسي. على العكس، من منحوا، وخصوصا من التجمع الديمقراطي وتحديدا مصطفى حمارنة، تحدثوا بلغة المجال العام؛ أي بلغة سياسة مبنية على علم وبرامج ومواقف محددة وبدائل.
توجد أسباب كثيرة لمنح الثقة، وتوجد أسباب أكثر للحجب. لكن اللغة في المجلس الحالي عكست الغياب السياسي منذ العام 1993. فنواب موالون تحدثوا عن أميركا بلغة أسامة بن لادن، والملك في زيارة رسمية لأميركا. وفي غضون حديثهم عن المؤامرة الأميركية، كان وزير الدفاع الأميركي في عمان!
حسنا فعل التلفزيون الأردني حين نقل الجلسة على الهواء. وهي من المرات النادرة التي ترقّب فيها الجميع نتيجة الثقة. لكن الشوط ما يزال بعيدا عن الوصول إلى مجال عام يتداول فيه الناس قضايا، لا مسائل صغيرة تصلح للمجال الخاص. إن الردة السياسية التي شهدتها البلاد تتلخص في إلغاء المجال العام في البلاد، والتحكم به من خلال جهة واحدة.
لكن، ما لا يمكن فهمه في المجلس هو: كيف تصاعدت الضجة على زيارة نائب لدولة العدو، وكيف خفتت؟ فتلك مسألة لا يجوز أن تمر بدون نقاش عام. وهذا ما لم يحصل!