في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تمكّنت حكومة د. عبدالله النسور من تمرير قرارها بتحرير أسعار المشتقات النفطية، مقدمة حججا لإقناع الأردنيين بحتمية الخطوة، في مقدمتها إنقاذ الدينار المهدد بالسقوط!
اللعب على وتر حرص الأردنيين على اقتصادهم، وإحياء مخاوف دفينة من العودة إلى التعايش مع أزمة مشابهة لتلك التي وقعت في العام 1989، كانا سبيل د. النسور لتحقيق الغاية، وتمرير القرار غير المقبول شعبيا. بعبارة أخرى، فإن المناورة والمراوغة في ذلك الوقت، مكنتا رئيس الوزراء من القبض على الحالة النفسية للمواطن، عبر إصابته بالرعب على حاضره ومستقبله، وبما ساهم في تقوية موقف الحكومة بعدم التراجع عن القرار والتمسك به، وليمر في مرحلة ربما تكون الأصعب سياسيا واقتصاديا، رغم كونه قرارا قاسيا؛ أثار غضب الشارع الذي شهد عشرات البؤر المشتعلة ليلة إعلانه خصوصاً.
ما قاله النسور في ذلك الوقت بعضه صحيح، لكن بعضه أيضاً بحاجة إلى مراجعة وتدقيق وتبرير. وفي كل الأحوال، فإن تبريرات النسور ليست بالتأكيد وصفة قابلة لإعادة الاستخدام لتمرير القرار المنتظر بزيادة أسعار الكهرباء، والتي تفرض الاتفاقية الموقعة مع صندوق النقد الدولي اتخاذه قبل تموز (يوليو) المقبل، ويصر "الصندوق" على تطبيقها في الموعد المحدد، كمؤشر على مدى التزام الأردن بالإصلاح الاقتصادي.
إعادة الكَرّة؛ باستخدام ذات الحجج، مثل الخوف على الدينار، وانتظار بواخر في العقبة لحين تسديد فاتورة شحنة النفط، لن تقنع الناس هذه المرة. وهو ما يستدعي من الرئيس شخصيا التفكير مليا قبل إعادة استخدام هذه الوصفة التي فقدت صلاحيتها، ومن غير المتوقع، بالنتيجة، أن تمتلك الفاعلية التي وفرتها قبل عدة أشهر، وأن تحقق النتائج ذاتها.
ملف الكهرباء كان من بين أهم القضايا التي توقف عندها النواب في جلسات الثقة. والاتفاق حَوْل هذا الملف شكّل جزءا من الصفقات المعقودة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لمنح الحكومة الثقة؛ إذ كان تأجيل قرار زيادة الأسعار، أو مشاورة النواب قبل اتخاذه، أحد أهم الشروط التي توقف عليها التصويت لصالح الحكومة.
لكنْ في الاتفاق على قضية الكهرباء، يلمس المتابع تواطؤا نيابيا-حكوميا؛ إذ إن كلا الطرفين يعرف تماما أن الخطوة آتية لا محالة، لكنهما مع ذلك قفزا عنها!
الحكومة تؤكد أنها ستعود إلى النواب قبل اتخاذ قرار رفع تعرفة الكهرباء لتأخذ بالبدائل التي يقدمونها. وفي هذا "تسليف للثقة" من النواب للحكومة، ليبقى عمر الحكومة مرتبطا برفع أسعار الكهرباء. إذ يرى سياسيون من مستوى رفيع أن الرئيس بمجرد إعلانه عن زيادة الأسعار، سيكون كمن يشيع حكومته.
في المقابل، نجح النواب في الحصول على تعهدات حكومية بعدم اتخاذ القرار إلا بعد مشورتهم. لكن هذه التعهدات ما هي إلا أداة بيد النواب لاستخدامها أمام قواعدهم الانتخابية والرأي العام ذي الحساسية المفرطة من زيادة الأسعار، رغم علم النواب أن البدائل التي يطرحونها سطحية تقوم على شعارات فضفاضة (من قبيل محاربة الفساد)، لن تردع الحكومة وتثنيها عن زيادة أسعار الكهرباء هذا العام بنسبة تصل إلى 16 %.
في المحصلة، تجاوز النواب والحكومة اختبار الثقة مؤقتا، ولمدة قد لا تزيد على شهرين.
بيد أن الاختبار الحقيقي للدولة كاملة مؤجل إلى حين اتخاذ قرار بشأن تعرفة الكهرباء. وهذا القرار لم يعد سرا، إذ تعرفه غالبية الأردنيين، لكن أحدا لا يقدّر سلوكهم عندما تحسم المسألة باتجاه الرفع؛ فالتكهن بردود الأفعال صار عصيّا على التوقع في ظل تزايد فجوة الثقة، وتزايد منسوب عدم الرضا الشعبي، وتردي المزاج العام.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد