بدت الحكومة الجديدة أكثر ارتياحاً في اليومين الماضيين؛ إذ شعر الرئيس بأنّه ضمن تقريباً "علامة النجاح" في الثقة اليوم، لكن بعد معاناة شديدة، وإرهاق كبير، ومناورات استخدمت فيها أسلحة الحيلة والذكاء لديه ليتمكن من كسر حديّة المزاج النيابي السلبي تجاهه منذ أن تشكّل البرلمان الجديد!
ليس واضحاً فيما إذا تدخّلت اتصالات الدعم الخلفي بقوة من مؤسسات الدولة الأخرى لإنقاذ الرئيس (الذي طلب من مرجعيات عليا ألا يتم التدخل لصالحه، وأن يترك يخوض معركته بنفسه)، كما جرت العادة سابقاً. إلاّ أنّ الواضح هو أنّ امتحان الثقة هذه المرّة لم يكن مريحاً ولا مضموناً سلفاً، كما يذهب دائماً خطاب المعارضة السياسية، أو كما يسود في الشارع.
منذ البداية، فشل الرئيس في إقناع التيار الإصلاحي في البلاد بالسقف الحالي من الإصلاحات، فخسر ما يمكن أن يشكّله له هذا التيار تحت القبة وخارجها. إلاّ أنّ المتغير الجديد في المعادلة هو أنّ الصوت الأكثر تشدّداً وتفلتاً والأعلى نبرة ضد الحكومة هو الصوت المحافظ تحت القبة، بل هو الاتجاه الذي من المتوقع أن يحجب الثقة عن الرئيس اليوم!
السؤال الذي تطرحه التحولات المشهودة تحت قبة البرلمان؛ من انقلب على من؟ ولماذا هذه الاستدارة الكبيرة في مواقف النواب المحسوبين على التيار المحافظ؟ هل الدولة هي التي قلبت ظهر المجن لهؤلاء النواب وعلى الدور الذي كانوا يؤدونه خلال الأعوام السابقة، فانعكس ذلك على مواقفهم؟ أم أنّ الأزمة اليوم تتجاوز القبة إلى العلاقة بين الدولة وبين التيار المحافظ في البلاد عموماً، الذي بدأ يشكّ ويتوجّس من إشارات ومؤشرات بتحولات في السياسات الرسمية، بعيداً عن التحالف الوثيق مع هذا التيار وما يملكه من حاضنة اجتماعية، تشعر حالياً بتشوّش وتوتّر وغموض في صيغة علاقتها بالدولة، وما تحمله الأيام المقبلة؟ وكيف يمكن أن نصنّف مواقف مؤسسات الدولة الحيوية في ضوء التحولات الجارية؟!
الطريف في الأمر أنّ الرئيس، رغم أنّه لم يحظ بأصوات التيار الإصلاحي أو القريب من هذا الخط في البرلمان، ولا بتعاطف التيار الإسلامي المعارض و"الوسطي" في آن واحد؛ إلا أنه في الوقت نفسه يواجه معارضة متنامية وصاعدة من أوساط النخبة المحافظة، فـ"من" هو الطرف أو الاتجاه الذي أخرج الحكومة من "عنق الزجاجة" في اختبار الثقة الحالي؟!
على الأغلب أنّ من يمكّن الرئيس من كسب الرهان هي المجموعة المترددة وغير المحسوبة لا على النخبة المحافظة التقليدية ولا على المعارضة. وربما حصول الرئيس على الثقة سيتحقّق بما يملكه من قدرة على المناورة من جهة، وبما وفرته الظروف الراهنة من جهة ثانية. لكنّ هذه "القاعدة" (التي يستند إليها الرئيس تحت القبة) تعكس خارج القبة حالة التردد والترقب التي تهيمن على شريحة اجتماعية واسعة.
في النتيجة؛ روافع الحكومة الحالية تحت القبة وخارجها غير متماسكة ومؤقتة، بينما تبدو الحكومة (تجرّ الدولة معها) في تناقض مع مطالب التيار الإصلاحي، وخصومة جديدة مع النخبة المحافظة. وهي تحولات لها دلالاتها ومؤشراتها المستقبلية التي تقتضي قراءة معمّقة بعيدة النظر، تتجاوز الاكتفاء بإدارة سطح المشهد السياسي!
هذا إذا صحّت أغلب التقديرات وحصل الرئيس على الثقة؛ أمّا إذا كان العكس، فإنّ التحولات الجارية تصبح أكثر عمقاً وأبعد مدى، وتدخلنا في مرحلة جديدة!
m.aburumman@alghad.jo
الغد