بات قطاع الاتصالات في الأردن من أكثر القطاعات الخدمية تطورا، ولا شك انه أيضا يضاهي في مستوى خدماته تنافسية قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في العديد من الدول المتقدمة.
وعلينا الاعتراف هنا أن التطور الذي شهده القطاع يُعزى أساسا الى جهود المستثمرين في القطاع الخاص وعملية الخصخصة حققت أهدافا مهمة لتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بفضل الاستثمارات الكبيرة التي وضعت في سبيل تطوير الخدمة ورفع مستوى التنافسية، كما أن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات لعبة دورا مهما في هذا القطاع منذ نشأتها حتى الآن، ولعلها من الهيئات المستقلة القليلة التي لا تشكل عبئاً على الخزينة بل وتقوم بتحويل ما يقرب من 120 مليون دينار سنويا الى خزينة الدولة بعد تغطية نفقاتها كافة.
وهي مبالغ تساهم بها شركات الاتصالات عبر ما تدفعه من رسوم مختلفة للهيئة.
ولعل ما يعيب تجربة تخاصية الاتصالات في الأردن ينحصر في استغناء الحكومة عن حصتها كاملة في شركة الاتصالات بعد أن تحولت الى شركة رابحة كان يمكن أن ترفد الخزينة بما لا يقل عن 40-50 مليون دينار سنويا كحصة في الأرباح، ناهيك عن ما يقرب من نحو 25 مليون دينار من ضريبة الدخل، وهذا بالطبع من شركة واحدة هي الاتصالات الأردنية، ولنا أن نتخيل كم ستكون العوائد على خزينة الدولة لو أن جزءًا من أموال التخاصية استخدم في حصص في شركات الاتصالات الأخرى بدلا من تسديد ديون مبكرة باتفاقية لم تُرض أحد.
في هذا السياق، ما أريد الإشارة إليه اليوم هو التوجه نحو فتح الباب أمام مشغل رابع بدعوى نشر خدمات الجيل الثالث والرابع من الاتصالات. وهو أمر يثير العديد من التساؤلات حول الآلية التي تنتهجها الحكومات في اتخاذ أي قرار.
وحيرتنا هنا حول السبب الرئيسي للدخول في تلك التجربة في ظل قيام شركات الاتصالات بواجبها في تطوير السوق، وفي ظل مستوى التشبع الذي وصل إليه السوق الأردني حيث مستوى النفاذ في الاتصالات الخلوية وصل الى ما يزيد على 106 بالمئة من عدد السكان، واستخدام الجيل الثالث ما زال دون المأمول به من قبل المواطن، حسب تقديرات شركات الاتصالات التي استثمرت مبالغ كبرى في هذا المجال.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تم إعداد دراسة أثر اقتصادي واجتماعي لاتخاذ قرار المشغل الرابع؟ وإن تم ذلك فما هي النتائج؟ والسؤال الموازي لذلك هو ما هي الأسباب الحقيقية لدعوة شريك رابع؟ هل هي مالية لتحقيق ايرادات إضافية للخزينة؟ أما تطويرية لتقديم خدمات إضافية لا تقدمها الشركات القائمة؟ لا بد من الإعلان عن الأسباب الحقيقية لمثل هذا القرار لكي لا ندخل من جديد في قضايا استفسارات لا إجابة عليها كما حدث في السابق وأثر على سمعة الاقتصاد الوطني.
باعتقادي أن الحكومة قادرة على محاورة شركات الاتصالات للوصول الى هدفها الحقيقي في سوق الاتصالات سواءً في جانب زيادة إيراداتها أو تحسين مستوى الخدمات أو غيرها من الأسباب، فمصلحة الجانبين يمكن تحقيقها من دون اللجوء الى قرار قد يؤدي الى تكميش القطاع وتقويض انطلاقته بعد أن خلق العديد من فرص العمل وحقق نتائج اقتصادية وتنافسية مرضية وفقا للكثير من المعايير الإقليمية والدولية.
بقيت الإشارة في الختام الى أن سوقنا لن يكون جاذبا لأي من المشغلين الكبار في المنطقة والعالم مثل الاتصالات الإماراتية أو فودافون أو غيرها، والسؤال المفتوح المبهم هنا من سيكون المشغل المستهدف إن لم يأتنا كبار المشغلين؟!!
kwazani@alarabalyawm.net
العرب اليوم