"مرشد محارب الضوء"
لباولو كويليو – مترجم للفرنسية – طبعة حديثة 2003
في كتابه المميز والعميق ، يظهر البعد الفلسفي والفكري والروحي العميق لدى الكاتب البرازيلي باولو كويليو مع المزج الدقيق للقيم الدينية والإنسانية ، يتحدث في كتابة عن محارب الضوء والذي هو رمز لإنسان لا يتوقف عن البحث عن معنى لحياته ، لا يتوقف عن طرح الأسئلة ، يرفض السلبية والإستسلام ، يقبل فشله مثلما يرحب بنجاحه، لا يحاول أن يلعب دور رسمه الآخرون له بل يمارس ذاته فقط . يرفض في كتابه المشوق والمفعم بالحكمة الضعف والفشل ، الشك والتراجع ، الخوف الجُبن
وأن الله تعالى أراد العزة والشجاعة والنجاح للإنسان ولكنه يختار بإرادته الإنسحاب أو الضعف أو حتى الدمار . وأقدم بعض الفقرات الواردة في كتاب باولو كويليو :
" حين يريد شخصٌ شيءٌ ما ، الكون كله يتآمر لأجله، محارب الضوء يعرف ذلك.
لهذا السبب يهتم كثيراً بأفكاره المختبئة عميقاً خلف النوايا الطيبة والتي لا يتجرأ أن يُفصح عنها : الإنتقام ، تدمير الذات ، الشعور بالذنب ، الخوف من الإنتصار، الإستمتاع الفظيع بمآسي الآخرين . الكون لا يحاكم الأشخاص، ولكنه يتآمر لما يريد كل شخص ، لذلك ينظر محارب الضوء إلى الأماكن المظلمة في روحه ليتأكد من أنه لا يطلب الشيء الخطأ. وهو دائماً حذر حول ما يفكر به."
" حبن يسقط الخَيّال عن فرسه، لابد أن يمتطيه مرة أخرى وسريعاً وإلا لن تكون لديه الشجاعة مرة أخرى لإمتطائه ، لذلك يعلم محارب الضوء قيمة الإصرار والشجاعة".
" اصدقاء محارب الضوء يسألونه:
من أين له الطاقة التي يتمتع بها ؟ فيقول لهم: من عدوي المختبيء.
ثم يسألونه : أين هذا العدو؟ فيقول: شخصٌ ما لم نعد نستطيع أن نؤلمه .
ربما يكون هذا العدو صبي كان يضربه وهو طفل، ربما تكون فتاة هجرته، ربما يكون مدرس كان يقول له بأنه غبي ؛ محارب الضوء لا يفكر بالإنتقام ، لأن عدوه المختبيء لم يعد جزء من القصة ، ولكنه يفكر بالإنجاز في الحياة حتى تصل أخبار انجازاته لسمع أولئك الذين سببوا له الألم فيما مضى. لأن ألم الأمس هو قوة محارب الضوء اليوم."
" محارب الضوء يعلم أنه قد تنعدم العدالة ، وأن كل شخص قد يجد نفسه في موقف لا يستحقه ، عادةً حين لا يستطيع الشخص أن يدافع عن نفسه ، والفشل يطرق باب محارب الضوء ، ولكنه يبقى صامتاً ، لأنه لا يريد أن يفقد طاقته ، لأن الكلمات لا تفعل شيء ، من الأفضل أن يستعمل قوته ويقاوم وأن يصبر ، لأن الوقت يقف هناك صامتاً ولكنه لا يقبل الظلم ، عاجلاً أو آجلاً سوف تسير الأمور لمصلحته ، محارب الضوء لا يتحدث عن هزائمة ولكنه ينتظر انتصاره".
" أحياناً يتسلل الشيطان إلى نفس محارب الضوء عبر الجروح القديمة والتي لم تندمل ، عبر الرغبة بالإنتقام ، ويذكر له حيل ذكية لينتقم أو يصف له سموم فعالة تساعده على تدمير اعدائه. محارب الضوء يستمع ، ويشجع الشيطان على متابعة الحوار ، وحين يعرف كل شيء، ينهض ويغادر ، الشيطان يشعر بالتعب والفراغ لأن كل ما قاله لم يؤثر بمحارب الضوء الذي رحل كأنه لم يستمع لأي كلمة".
" لا يوجد حب مستحيل بالنسبة لمحارب الضوء ، لا يشعر بالحرج بسبب الصمت أو الرفض لأنه يعلم أن خلف القناع الثلجي الذي يلبسه الناس هناك قلبٌ خافق وباحث عن الحب. لذلك يأخذ محارب الضوء المجازفة أكثر من غيره ، ويبحث عن الحب من حوله حتى ولو كان الجواب "لا" . لأنه لا يشعر بالخوف حين يبحث عما يحتاج له ، لأنه بدون الحب لن يكون أي شيء."
" شيء غريب ، يقول محارب الضوء ، لقد قابلت الكثير من الناس الذين ومن أول فرصة يُظهرون أسوء صفاتهم ، يخبئون ذواتهم خلف مظهر من العدائية ، ويخبئون وحدتهم خلف قناع من الإستقلالية ، لا يؤمنون بقدراتهم ولكنهم طوال الوقت يدّعون الفضيلة. محارب الضوء لا ينبهر بالمظاهر ، ويبقى صامتاً أمام من يحاولون اثارة انطباعه ، وينتهز الفرصة لتصحيح اخطاءه لأن الناس يبدون كمرآة ممتازة لرؤية الأخطاء التي نحاول تجاهلها. محارب الضوء ينتهز كل الفرصة ليُعلم نفسه."
قد تبدو هذه المقولات الانسانية بعيدة عن عالم السياسة ولكن لابد للسياسة أن تكون قبل أي شيء انسانية ، وبإبتعادها عن الانسانية تتحول إلى صراع مصالح ، وحينها لا تكون سياسة بل دهاء فكري يتحايل على القيم الانسانية.