على تقاطع مؤد الى "ابو نصير" نقرأ اعلانا موقعا من " مجموعة فرسان التغيير" يهنئ بالاعياد، ويوحي الاعلان ان وراء النص المكتوب تنظيما حديديا لا يزال في طور التكوين، وبوصفي ممن يشتغلون بالاعلام فان جهلي بهذا الاطار السياسي سواء لجهة الهيكل التنظيمي او الافكار والمبادئ ، ليس مرده قلة دراية بالشأن المحلي / السياسي بل بالقدرة العظيمة التي تتحلى بها كوادر هذا التنظيم على التخفي والاختفاء والانسياب بين الجماهير بحيث لا يستطيع ديناصور مثلي القبض عليهم متلبسين بالحداثة والانفتاح.كنت اظن – وكل الظن ههنا سذاجة – ان "الشطار" مهما بلغت شطارتهم لن يتمكنوا من تحويل شطر بيت للمتنبي الى شعار مركزي لتيار يملاء الاجواء زمزمة رغم كونه منبت الجذور ، وكنت اظن ان عملية تجميع الاف الطلبة الفقراء اقتصاديا و معرفيا امرا مستحيلا الى ان رأيت بام عيني هؤلاء وهم يحلمون ان يصبحوا وزراء ومدراء وقادة - طبعا- عبر التسجيل في تلك الهيئة.
كنت ولازلت وسأبقى الى الممات من المؤمنين بثوابت البلد وعلى رأسها مؤسسة العرش كعنوان وحيد للوحدة الوطنية و للامل بالقدرة على تجاوز التحديات وبالثقة في المستقبل كما انني وبذات العزم مؤمن بان احدا لا يستطيع احتكار هذا العنوان لا لاسباب عمرية ولا لاسباب اقتصادية ولا لاي سبب اخر فكما ان الجميع شركاء في حمل الهوية فان الجميع ايضا شركاء في هذا العنوان النبيل.
استعيد في ذاكرتي اجيال من الساسة الذين قامت قوتهم على مبادئ الاستئصال
فقبيل عام 1989 اكتشفنا فجأة اننا نرزح تحت وطأة مديونية لا قبل لنا بها وفجأة ايضا اكتشفنا انا بحاجة الى توزيع الحمل لكي لا يكسر ظهر الفئة التي اوصلتنا الى ما كنا عليه فولدت الانفراجة الديمقراطية مؤذنة بمجيئ العصر البرلماني، وما ان وضعنا اقدامنا في اول سلم تلك المرحلة حتى تلاشت تلك الطبقة السياسية التي كانت مسؤولة عن التردي والمديونية رغم رفعها لشعار انها الاقدر على فهم مؤسسة العرش..... ذهبت تلك الطبقة او تحللت وبقي العرش في مكانه متربعا في قلوب الاردنيين عنوان وحدة وامل وثقة.
ولان الطبيعة تكره الفراغ فقد جرت عملية استبدال للنخبة السياسية وكان البرلمان احد اهم المعامل لتكرير النخبة فظهرت اسماء جديدة تآلفت مع متطلبات اعادة هيكلة الاقتصاد وتحالفت فيما بينها للابقاء على فكرة الاستئصال عبر الاستئثار بفهم توجهات المؤسسة الاغلى على قلوب الاردنيين وهكذا تمكنت كانت الخصم والحكم في مواجهة الناس، وكل يدعي وصلا بالشعب الى ان اتت تسونامي الليبرالية الجديدة التي احالت نخبة التسعينات الى دمى تثير الضحك اكثر مما تثير من الشفقة لكن شيئا واحدا بقي ثابتا وهو "احتكار "الادعاء بالقدرة على فهم توجهات المؤسسة الاغلى.
واذا كان العنوان الابرز لنخبة ما قبل العام 1989 هو الاثراء على حساب الادارة العامة، فان العنوان الابرز لنخبة التسعينات الاثراء عبر تمرير برامج الخصخصة وتجميد الادارة العامة، في حين اننا الان امام ظاهرة اثراء جديدة، هي الاثراء من خارج الدولة ولكن عبر استخدام تأثيرها فنجد نمو طبقة من الاوليغارشية تشبه تلك التي نبتت في روسيا خلال حقبة الانفتاح ما قبل بوتين ولعلها الطبقة الاخطر لانها ببساطة تنهل من اطار قيمي غير موجود في الدولة ولا تقيم وزنا ل86 عاما من البناء والمكابة هو عمر الوطن الاردني، تفكر خارج المألوف وتنساب مياهها خارج القنوات الاردنية وتستعير مفردات لم يجري نحتها في المعامل الوطنية لنواجه حالة غير مسبوقة تجعلنا نحس بأننا ديناصورات توشك على الانقراض رغم كوننا لا نزال في منتصف العمر.
"حمل خارج الرحم" هو الوصف الاكثر انطباقا على هذه الفئة التي ترى في البلد شركة فتصفع مونتسكيو صباح مساء لاقترافه ذنب التبشير بمبدأ الفصل بين السلطات ولا يرف لها جفن حين تخنق "روح القوانين" ولا تتردد في ان تجلس دائما في المسافة الفاصلة بين كرسيين
ورغم ذلك فاننا عصيون على الاحباط مؤمنون ببلدنا فالاردن بلد فيه لله وللنبي لذلك يبقى واقفا رغم التحديات بعزم لا يلين ....العزم الذي اتحدث عنه ليس مستمدا من طبقة الكريما التي تغطي بعض الاحياء في عاصمته بل مستمد من ثالوث العزة: التاج و الجيش والامن، ولا يستطيع أي كان ان يمنعنا من الايمان هذا الثالوث الباعث على الوحدة والامل والثقة.
اعود الى التقاطع المؤدي الى "ابو نصير" فاقرأ اعلان تلك المجموعة واقول: " لكم دينكم ولي دين".