قلة من النواب لا يتعدون أصابع اليدين قدموا رؤية سياسية وإصلاحية واضحة، وبنوا مواقفهم على استنتاجات علمية واقعية، واستخدموا أرقاما واضحة عند نقاشهم بيان الحكومة الذي طلبت ثقة مجلس النواب على أساسه.
طوال أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس الماضية، تحدث من منبر قبة البرلمان 73 نائبا، ويعاود النواب اليوم الحديث لأيام ثلاثة مقبلة، ولكننا لم نسمع من سواد المتحدثين رؤية واضحة لواقعنا الذي نعيش، وابتعد أغلبهم عن تشخيص حالتنا، وخاصة ما يتعلق بالإصلاح والاقتصاد، والموضوع الاجتماعي والمجتمعي، ولم يتحدث نواب إلا قليلا عن قضايا وطنية عامة تعتبر مفصلية.
وحتى لا نتجنى على الحقيقة، فقد سمعنا خلال أيام المناقشات كلمات عميقة عالجت وضعنا السياسي والاقتصادي برؤية واضحة وثاقبة، وابتعدت عن القضايا الفرعية، وانتقدت الشعبوية في كلمات زملائهم، ودعت مجلس النواب السابع عشر للارتقاء بالوطن والمواطن، وبمستوى المناقشات النيابية، بعيدا عن مكاسب فرعية او قبلية.
نواب قلة تحدثوا في الإصلاح، وابتعدوا عن الشعبوية، وقدموا رؤية، وجاءوا على الإصلاح وما اعتراه من مشاكل، ومفاصل وعثرات، وشخّص بعضهم وضعنا الراهن وما نمر به، ولهذا تميزت كلمات، وغابت أخرى وكأن أصحابها لم يخرجوا ولم يتحدثوا.
بيد أن سواد المتحدثين ذهب تجاه القضايا الخدمية الصرفة، وبعضهم ذهب تجاه قضايا مناطقية ضيقة، ومطالب خدمية لو أرادت الحكومة تحقيقها لاحتاجت لأكثر من 10 مليارات دينار ويزيد لتحقيق ذلك.
لا يعني هذا أن مطالب النواب الخدمية غير مهمة، بيد أن من الواجب القول إن منبر المجلس ليس وسيلة للشعبوية البحتة، وليس مكانا لكيل التهم جزافا دون وضع حلول، وللحديث عن شق طريق وتعبيد أخرى، ومدّ ماسورة مياه، ووضع الصور وإزالتها، كما أن المنبر ليس مكانا لمخاطبة الناس بما يريدون، ومداعبة أحلامهم دون تقديم آليات لذلك.
اشتكى نواب من قلة الخدمات، ومن ظلم مناطقهم اقتصاديا، وطالب بعضهم بفتح جامعات ومدارس، وترفيع مناطقهم للواء، وترفيع أخرى لمحافظات، وكلها مطالب سمعناها في مجالس سابقة، وباتت محفوظة لدينا.
كنا نأمل ان يبتعد نواب السابع عشر، وهم الذين جاءوا على وقع "الربيع العربي ومرحلة تعزيز التحول الديمقراطي"، إلى قضايا أكثر عمقا، ويتناولوا مواضيع أكثر أهمية، تعزز الديمقراطية والإصلاح، وتبني عليه.
فقد سمعنا نقدا للحكومة لأنها أغفلت توزير اللواء الفلاني، أو المنطقة الفلانية، وعتبا لان المنطقة الفلانية لا يوجد من بين أهلها أمين عام أو محافظ، وهكذا دواليك.
لا شك أن في كل لواء وناحية وقضاء كوادر مؤهلة، ولكن لو أرادت الحكومات السابقة واللاحقة توزير شخص من كل لواء، فإننا نكون بحاجة لـ51 حقيبة وزارية في كل حكومة ستشكل.
مشاكل الوطن لا تختصر بتلك الطريقة، وإذا أردنا بناء الأوطان، علينا أن نرتقيَ بآمالنا وطموحنا، ونخرج من رقعة المنطقة الجغرافية الضيقة، وصولا لمعالجة كل مشاكل الوطن، باعتبار الوطن أشمل وأكمل.
ما سمعناه من خطابات خدمية، هو إفراز لقانون الانتخاب الحالي الذي أعادنا للوراء، ولم يتقدم بنا قيد أنملة للأمام، وهو القانون الذي عزز المناطقية والقبلية والجهوية، وفشل في أن يصبح الوطن من الطرة للعقبة وحدة واحدة، يمثل فيه ابن الرمثا ابن معان، وابن عمان ابن إربد.
بصراحة ما نزال ندور في الحلقة عينها، ولم نستشعر أن الأيام الثلاثة الماضية من مناقشات النواب لبيان الثقة بالحكومة حملت جديدا نستطيع أن نبني عليه لاحقا، وما يزال ثقل التيار المحافظ يسيطر على المشهد بوضوح، ولهذا لم نسمع رؤى إصلاحية حقيقية إلا من خلال كلمات نيابية لا تتعدى عدد أصابع اليدين.
ما نأمله أن تحمل الأيام المتبقية من الكلمات النيابية، رؤى جديدة تعيد لنا الثقة بوجود ضغط إصلاحي نيابي حقيقي للسير في طريق الديمقراطية دون أن يفعل التيار المحافظ فينا ما يريده، ويسيّرنا بالشكل الذي يريد.
jihad.mansi@alghad.jo
الغد