يحتار المرء حين يفكر في ما يحدث حوله؛ فللأسف، كل شيء بحاجة إلى إصلاح، ويندر أن نجد قطاعا لا يشكو من التقهقر.
ذلك أن إهمال الحكومات وتراخيها لم يترك شيئا على حاله، ونتائج سنوات من هذا الإهمال يحصده البلد وأهله اليوم.
من أين نبدأ؟ وعن ماذا نتحدث؟ لعل البدء يكون من قدرة المواطن على المشاركة السياسية والاقتصادية، في صنع مستقبله، اذ نجده دافعا للضرائب، فيما المشاركة السياسية أقل بكثير من المؤمل.
ننتقل إلى التعليم المدرسي الذي فقد دسمه، حتى صار الطلبة مجموعة يتم تلقينها العلم بدون نفع يرجى، ما أضاع فرصة بناء أجيال جديدة تدرك معنى الهوية والإحساس بالوطن، كما تدرك أن بانتظارها مسؤوليات كبيرة.
نمضي إلى التعليم العالي، فنجده أسوأ حالا! إذ إن شباب الحاضر منشغلون بمعارك لا تنتهي أسبابها سخيفة، فيما العلم آخر همهم. البحث العلمي الذي يعلي شأن الأمم على الهامش، وموضوع على الرف، إلى حين صحوة يدرك معها المرء أن بالعلم وحده تبنى الأوطان، وبغيابه تهدم.
على الصعيد الاقتصادي، فإن عجز الموازنة والدَين العام يرتفعان، والإنتاجية في حدودها الدنيا، ومعدلات التضخم التي تحلق عالياً يقابلها تراجع المستوى المعيشي للأسر.
أما الحديث عن الفساد فليس له قرار؛ لا في أنفس الناس ولا في المحاكم. تضاف إليه 18 جهة حكومية تعنى بمحاربة هذه الآفة الهادمة لكل شيء. مع كل هذه الفوضى الاقتصادية، يحتار المرء من أين يبدأ الإصلاح؟
الشباب عاطل عن العمل، وفوضى سوق العمل عارمة، والعجز عن وضع الحلول هو سيد الموقف. والمخاطر تزداد من بقاء الشباب على هامش الحياة، وسط دراسات تؤكد أن العاطلين منهم عن العمل يأتون على قمة هرم من يرتكبون الجرائم على اختلاف أنواعها.
حماية المستهلك آخر هموم الحكومة، وحجة معادلة "العرض والطلب" التي تنظم السوق جاهزة كمبرر للتقصير. التاجر بدوره، إلا من رحم ربي، طماع، وهوامش ربحه ليس لها سقف، وكل الحديث عن ضيق حال الناس لم يمنعه من المبالغة في تحصيل ربح ليس من حقه. ليدلني أحد على قطاع أو حالة ما نزال نظن أنها بخير، حتى نريح القائمين على الإصلاح من التفكير فيها.
وللقانون وهيبته واحترامه حديث آخر وطويل. والانحدار الذي بلغه كثير من الأشياء، وفقدانها للقيمة، مرتبطان بضياع القانون والتنصل من تطبيقه على الجميع بدون تمييز بين وزير أو غفير.
أما استعادة الثقة المفقودة، فهي قصة تطول. وتحقيق جزء منها بحاجة إلى عمل كثير، وشواهد مختلفة.
التهميش له حكاية أخرى يذكرها كثيرون ممن احترقوا بنار الحكومات التي طالما تنصلت من تنفيذ وعودها وبرامجها، وانشغلت بتحقيق إنجازات وهمية "بروزتها" على صفحات الصحف.
ما الحل إذن؟ بعد عامين من الحديث عن الإصلاح، يظن أغلب الناس أن لا شيء تغير، فيما يمطرنا المسؤولون بحديث بات مستفزا عن التغيير والإنجازات، وهم لاهون عن الفجوة التي تتسع بينهم وبين الناس بمرور الوقت. لا ينكر عاقل أن الدولة حققت بعض المنجزات في الفترة الماضية. لكنها منجزات لم تترك أثرها بعد في النفوس، لأن فجوة الثقة بلا حدود، والاقتراب من المجتمع يحتاج إلى ثمن أعلى، ودلالات ورسائل أعمق وأقوى.
ليس من العقلانية أن تكتفي الحكومة برسائل التطمينات التي تصلها من الدول الحليفة ومن المؤسسات الدولية. فشهادة صندوق النقد الدولي بأن الاقتصاد يسير بالاتجاه الصحيح لا تعني شيئا، حين تكشف استطلاعات الرأي المحلية أن 57 % من الأردنيين يظنون أن الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ. رغم صعوبة معركة الثقة بالحكومة وجديتها، إلا أن فرص د. عبدالله النسور قائمة باجتياز الاختبار. بعد ذلك، عليه أن يفكر جديا في العمل المطلوب منه لمستقبل البلد؛ فما قيل في خطاب الثقة والبرنامج التنفيذي للحكومة غير كافيين لإشعال ضوء يمكّن من رؤية نهاية النفق.
الغد