كم كنت أتمنى أن نبقى بعيدين عن ما يجري في سوريا و عن الشأن السوري كله، فلسنا بحاجة لأن يذكرنا الرئيس بشار الأسد في ملأه أو على تلفزيونه الرسمي، و هو عادة لا يذكرنا بخير؛ و لا زلت أذكر تهكمه على شعار "الأردن أولاً" و الذي صفق له قادة الحراك الأردنيون هذه الأيام ضاحكين باجتماع في دمشق، و هم نفسهم الذين يدعون عليه الآن بأن يشتت الله شمل قواته. كنت أتمنى أن لا نقحم أنفسنا بما يجري في سوريا حتى لو دعمنا كلا الفسطاطين المتحاربين هناك. لقد تعرضتُ لهجمة من بعض رواد الموقع الذي كنت أرتاده من قبل عندما طرحت عبارة "فكونا من سوريا"، لأنهم كانوا يظنون أن الوضع سينتهي كما كان الوضع بتونس او مصر أو ربما باليمن، متناسيين أن المخرج العام لمسرحية الربيع العربي سيخرجها بسيناريوا مختلف بسوريا.
إن أسباب أمنيتي بأن لا نقحم أنفسنا بالشأن السوري كثيرة؛ فسياسيا، أن بُقعة ما يسمى بالربيع تتقاذفها الأمواج من بلد الى بلد و لا أريدها أن تصلنا، فعندما نحوم حول دائرة النار فإن نارها ستلفحنا و ربما استغوى المنظر بعضنا فوقعنا فيها باحثين عن الدفء فنحترق. كذلك فإن مبدأ التدخل بشؤون الغير سيفتح الباب أمام الآخرين للتدخل بشؤوننا.
ومن الجانب الاقتصادي، فإن سوريا دولة جار لنا و نتأثر مباشرة بما يجري فيها اقتصادياً، و لقد كانت معظم وارداتنا من سوريا بأسعار في متناول الجميع و هذه تبخرت بقدرة قادر و توقفت الواردات السورية؛ لقد كانت منطقة الرمثا أشبه ما تكون بالمنطقة الحرة. و لقد ظهرت آثار ما يجري بسوريا جلياً عندما توقفت الحركة التجارية.
أما من ناحية الديمغرافيا فما يحدث في الزعتري و المريجيب و ما سيلحق من مخيمات يتحدث عن نفسه، و يخرج كل الأمور من حساباتها؛ و هذه الديمغرافيا الجديدة التي تبشرنا فيها الحكومة بأن تصل الى مليون و ربع لا يشير الى خير. إن ما يحدث يومياً على المناطق الحدودية يثير الحيرة، فقد لاحظتُ أن العدد الذي يدخل الى الأردن يكاد يكون نفس العدد يومياً، مما جعلني أُشبهها بحالة تفويج الحجاج إلى مكة، حيث يتم السماح بأعداد معينة كل ساعة حتى لا يحدث ازدحام. هذه الأعداد توحي بأن هناك جهة ربما تكون رسمية تعمل على تفويج اللاجئين الى بلدنا. لا أقتنع بأن هؤلاء (غالبيتهم) سيعودون الى بلدهم بعد زوال الخطر، سيبقى على الأقل نصفهم، فمن افتتح تجارته و انخرط بسوق العمل لن يعود؛ أما من زوج ابنته زواج سترة فلربما أصبحت لهم كوته بالبرلمان لاحقاً.
سبب آخر هو أننا في هذا البلد و في كل موقف نتوقع أنه موقف العربي مع العربي أو المسلم مع المسلم لا نخرج بعده إلا بسواد الوجه و التشكيك بالنوايا من كلا الطرفين، و لك أن تستعرض كل المواقف بدءاً من القضية الفلسطينية مروراً بالعراق و لا أدري ان كانت ستنتهي بالقضية السورية. وهذا ما سيحصل بعد أن تضع الحرب أوزارها في سوريا بغض النظر عن النتائج؛ فإذا بقي بشار فالموقف معروف طبعا و التهمة جاهزة و هي أننا ساعدنا الجيش الحر؛ و إذا تحقق الفوز للجانب الآخر فسيكون أول أهدافه هي توجيه فوهات مدافعه للأردن ليساعد (الإخوة الأردنيين) في ربيعهم من باب رد الجميل ظاهرياً و إشغال الداخل عن الفوضى التي ستعم سوريا بعد ذلك في واقع الامر. و هذا لن يُرضي منا حمد أو حميدان.
أما السبب الأخير فهو خوفي من (هواة المقفي)، فأخشى من أخشاه أن نتعرض لهجمة صاروخية من بشار عندما يوقن بالذهاب. طبعا هو يطلقها بنية توجيهها لإسرائيل و لكنها ستمطر في الأردن. ستزهق ارواح و تدمر منشآت. و ربما كانت بداية مواجهة بين إخوة السلاح بالجيشين.
ندرك أن نظام الحكم بسوريا ليس غبياً، و ندرك أكثر أن أجهزتنا الأمنية عيونها مفتوحة؛ فالكل يعرف أن مئات (وربما أصبحوا آلافا الآن) مما اصطلح على تسميتهم شبيحة بشار ينسل ضمن الأفواج المتلاحقة باسم اللاجئين، و هم جزء من الخلايا النائمة التي ستتحرك ان لزم الأمر. و كذلك أُعرج على بعض القوى الداخلية الأخرى التي هي أيضا خلايا نائمة لتعمل لصالح سوريا، و لا أتهم أحدا فقد أعلنوا هم عن ذلك صراحة بالبيان المعروف ببيان المئة الذي هددوا فيه صراحة بعدم الوقوف مكتوفي الأيدي. و هو يعلنون عن أنفسهم أنهم موجودون بكل حراك شعبي بطريقتهم الخاصة طبعا.
كنت أقول لأصدقائي على الفيس بوك أنني سأشهد للحكومة الأردنية بالحنكة السياسية إذا نجحت بالخروج من المأزق السوري بسلام و دون الانزلاق في جحيمه. لكن ليس مصادفة أن تتوافق مقابلة بشار على تلفزيونه بخصوص دور الأردن فيما يجري بسوريا، مع إعلان وزير إعلامنا عن استقبال مئتين جندي امريكي في الأردن، فنحن في الأردن معروفون بالنفي الدائم، فلماذا التصريح بهذا الآن؟ لم يحدث أن صرحنا بذلك حتى أيام الحرب على العراق! هذا يعني أن هذه الحيادية لم تعد موجودة، و سنجد أنفسنا بأتون النار شئنا أم ابينا؟ أم لعلها من باب إرهاب النظام بسوريا من مغبة الدخول في مغامرة غير محسوبة.
كم كنت اتمنى أن لا نجد أنفسنا طرفا بهذا الموضوع، و لكن العدو أمامنا و النفط من ورائنا و الغاز عن يميننا، و ليس لنا إلا نقول حسبي الله على كل ما كان له يد في تخريب سوريا و تشتيت شمل اهلها هنا و هناك.
أما إن كان الله قدّر لنا بهذا الوطن أن نكون جزءاً من هذه اللعبة القذرة بما كسبت أيدي الناس فينا فليس لنا إلا أن ندعوه بهذا الدعاء: اللهم إنا لا نسألك رد القضاء و لكن نسألك اللطف فيه.
حمى الله الأردن
alkhatatbeh@hotmial.com