يتغنى كثيرون بحب الوطن والتعلق بالأهل والعشيرة، ولكنهم على استعداد للهجرة إلى بلاد أخرى لو أتيحت لهم الفرصة.
معهد جالوب أجرى استطلاعاً للرأي شمل نصف مليون شخص حول العالم، ليتضح أن في العالم 630 مليون مواطن يرغبون في الهجرة ومغادرة الوطن الذي ولدوا وعاشوا فيه واكتساب جنسية أخرى.
بين هؤلاء 138 مليون يتمنون الذهاب إلى أميركا، 42 مليون إلى بريطانيا، 37 مليون إلى كندا، 31 مليون إلى فرنسا، و29 مليون إلى المملكة العربية السعودية.
من الواضح أن معظم هؤلاء لا يرغبون في الهجرة من اجل الحرية والديمقراطية وإلا لكانوا قد اختاروا سويسرا والدول الإسكندافية، فالهدف الحقيقي اقتصادي في المقام الأول، أي البحث عن فرصة لحياة أفضل. وليس أدل على ذلك من احتلال السعودية للمركز الخامس عالمياً في اعتبار العيش فيها أمنية.
ماذا عن مواطنينا الذين يتغزلون بالأردن وبالعروبة؟ كم منهم يرغب في جواز السفر الأميركي أو الكندي أو الأوروبي؟ أغلب الظن أنهم أقلية عددية، ولكنها ليست أقلية صغيرة.
ليس غريباً والحالة هذه أن تكون هناك أحياء في أميركا ذات أغلبية أردنية وفلسطينية، وخاصة في نيويورك وشيكاغو ودترويت ولوس انجلوس.
المثل الشعبي الدارج يلخص ويفسر هذه الحالة فيقول: مطرح ما ترزق إلزق، أي أثبت في المكان الذي يؤمن لك دخلاً أعلى. من هنا فإن النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة عمل وطني من الدرجة الأولى من شأنه تعزيز الوطنية.
إسرائيل فهمت هذه الطبيعية البشرية، ولذلك تضيق عمداً على معيشة الفلسطينيين في الضفة وغزة تحت الاحتلال، وتحاصرهم اقتصادياً كوسيلة لإقناع الفلسطيني بالهجرة إلى حيث يصنع مستقبلاً شخصياً. يقول أحدهم أن عدد المقادسة في استراليا (حتى لا تقول في عمان) يزيد عن عددهم في القدس. هؤلاء لا يكرهون القدس ولكنهم يكرهون الظروف المعيشية القاسية هناك.
ليس غريباً والحالة هذه ان يهاجر العراقيون والمصريون واليمنيون وغيرهم بالجملة، بل إن نسبة الوجود المسيحي في مصر وبلدان الهلال الخصيب تنخفض باضطراد، وهناك تسهيلات إضافية لهجرة مسيحيي القدس بالذات لهدف سياسي هو تحويل التنافس على المدينة المقدسة إلى صراع يهودي إسلامي، واستبعاد الطرف المسيحي الأقدر على اجتذاب تعاطف الرأي العام العالمي بالاتجاه العربي.
الرأي