الاختراق الإعلامي أخطر أصناف الاختراقات وأشدها فتكاً في جسم الأمة، وأعظمها أثراً في تحطيم الإرادة الشعبية ونشر ثقافة الإحباط في الأوساط الجماهيرية، وتعطيل طاقات الشباب وتبديدها في مسارب التيه، وقتل روح الإبداع من خلال إشاعة جو إعلامي كئيب،عن طريق التفنن في نشر الأكاذيب والإشاعات المدروسة التي تخدع العامة، عن طريق حجب الحقائق وتفجير القنابل الدخانية التي تعمي الأبصار وتعطل الحواس.
في كل الحروب على مدار التاريخ، كان الجانب الإعلامي يلعب الدور الأكبر و الاكثر فاعلية في حسم نتيجة المعركة، من خلال التأثير في معنويات الخصم ,وتحطيم إرادة القتال لديه، وإضعاف روح الصمود والمواجهة، خاصة إذا تم ممارسة هذا اللون من الحرب المعنوية بحرفية وذكاء، وعبر منهجية مدروسة تعتمد الأسس العلمية الصحيحة بالتعامل مع النفسية البشرية.
لقد تطورت التقنيات الإعلامية تطوراً مذهلاً ومرعباً عندما أصبحت خاضعة لعقلية المافيات العالمية، التي تحوز على رؤوس أموال ضخمة، وتستطيع تحقيق أرباح هائلة عن طريق ابتزاز الحكومات والدول والأحزاب، والشخصيات المتنفذة، والشركات الكبيرة, بما تملكه من قدرة متفوقة على قلب الحقائق، وجعل الأسود أبيض، والأبيض أسود، وما يترتب على ذلك من تلاعب بمصائر الشعوب والدول والسلطات ,والشخصيات والقرارات .
تتجلى مظاهر الخطورة بمصادر التمويل الخارجي لهذه المؤسسات الإعلامية التي تخترق الساحات المحلية،والأثير الاقليمي, خاصة اذا علمنا ان التمويل الخارجي لا يمارس العمل الخيري بالدعم المالي، بل يهدف إلى تشكيل طابور خامس، يأتمر بأوامر ولي نعمته، الذي يخدم مخططات عدوانية مدروسة ومهدفة.
لقد أدركت الحركة الصهيونية خطورة الدور الإعلامي في صناعة الرأي العام، وتوجيه القرارات السياسية على صعيد الدول، والتحكم بالقرارات المصيرية، في وقت مبكر,ولذلك عملت على إنشاء امبرطوريات إعلامية في معظم الدول الكبرى، واستطاعت الهيمنة على كبريات الصحف العالمية، ورصدت مبالغ مالية كبيرة لتطوير هذه الصناعة الحيوية التي أثبتت قدرتها على تحقيق انتصارات كبيرة تفوق ما تحققه الجيوش المجحفلة والحروب المسلحة.
مسؤول إحدى الفضائيات المصرية أعلن أنه يحصل على أربعة عشر مليون جنيه مكافأة سنوية معلنة، غير الأرباح غير المنظورة والمكافآت المخفية، وهو من اولئك الذين يقودون حرباً شعواء ضد رئيس الجمهورية المنتخب مع (24) فضائية مصرية أخرى، وفضائيات عربية كبرى، كلها ترمي عن قوس واحدة، بأساليب مختلفة، وبرامج متعددة، تضخ في سماء مصر والعالم العربي بالاضافة إلى عدد كبير وهائل من الصحف الورقية والإذاعات المحلية على مدار (24) ساعة في اليوم، وكلها تظهر المساوئ وتخفي المحاسن ولا تظهر ايجابية واحدة.
ما ينبغي الالتفات إليه؛ إدراك أهمية الإختراق الاعلامي في جسد الأمة ودوره الهائل في التحريض والتعبئة ونشر ثقافة الإحباط واليأس والفوضى وإفشال الثورة وهدم الدولة، تحت باب حرية التعبير المنفلتة والمتمردة على كل القيود الأخلاقية والمهنية، التي لا تنتمي للأمة ولا تنتمي لثقافتها ولا مشروعها الحضاري، بل إنها تحمل مشاريع وافدة، وترتزق من خدمة الفكر الاستعماري، وتدين بالتبعية لمشاريع أجنبية غريبة على قيمنا واخلاقنا وتراثنا وأهميتنا الثقافية.
كل الدول الدمقراطية والمتقدمة، لا تسمح بهذه الفوضى الاعلاميّة الهدامة، ولا تسمح بوجود هذه الاختراقات العدائية، وخاصة في الظروف الصعبة التي تمر بها، فعلى سبيل المثال عندما تعرضت الولايات المتحدة لهجوم الحادي عشر من أيلول في عام (2001) م فرضت حظراً صارماً على كل الآصوات التي تضعف موقفها من الحرب ضد" الأرهاب"، واعتبرت كل صوت مخالف ايما هو انتصار " للارهاب والارهابين"، وفرضت هذا على معظم دول العالم.
دور الاعلام والاعلامين في كل دولة يجب أن يكون مسهماً في عملية الإصلاح، ونشر ثقافة التعاون الايجابي بين فئات الشعب، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتعزيز القوة الذاتية للمجموع العام من أجل مواصلة عملية بناء الدولة وصيانه قوتها قي هذه المرحلة الانتقالية وتجاوز عنق الزجاجة، ومعالجة آثار نصف قرن من ممارسة التسلط والفساد والقمع والاستبداد، ومغادرة مرحلة امتهان الكذب والخداع والتضليل والتحريض والتعبئة السلبية التي تمزق المجتمع وتصنع الفرقة بين مكوناته، وتشجع ثقافة النزاع الأبدي المفضي إلى هلاك الأمم وزوال الدول.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم