تصعيد المؤسسة العسكرية السورية المفرط باستعمال القوة في الاسابيع الأخيرة يشير الى قرار عسكري حاسم يؤمن بضرورة الاسئثار بأوراق التسوية السياسية للازمة السورية و ذلك عبر اقتلاع كل مكونات حالات عدم الاستقرار في سوريا.
يجمع كثير من المحللين على وضوح رغبة اللاعبين الدوليين (روسيا و الولايات المتحدة) بالابقاء على الأزمة السورية داخل حدودها الجغرافية و منع انتشارها و توسعها اقليميا. هذا ما يفسره عدم انتشار الأزمة السورية في الدول المجاورة لسوريا. في المقابل يبدو ان رقعة الملعب السياسي بدأت بالتوسع و لكن ضمن اطارات محدودة و مضبوطة من كوريا الى ايران فسوريا (محور الشر السابق بالمفهوم الأمريكي) الى افريقيا و اميركا و البحر الأسود.
الولايات المتحدة الأمريكية انتهجت مؤخراً سياسة التوظيفات السياسية التي تظهر تعبيراتها عبر مواقف كثير من اللاعبين في المنطقة.
أغلب المعلومات تشير الى دور أمريكي غامض على الأراضي المحاذية لسوريا. تكتيكات عسكرية, لا تهدف في جوهرها الى اسقاط النظام بل الى تحجيمه و بالتالي اضعاف اوراقه التفاوضية مستقبلاً. لهذا فالاستراتيجية الأمريكية تسعى الى انهاك النظام لا سقوطه ضمن استراتيجية فرض شروط التسوية الامريكية.
هذا ما يفسره اختزال الضغط الأمريكي اليوم ضمن مطلب تنحي الرئيس السوري فقط و الابقاء على نقاط اتفاق جنيف. كثير من الدبلوماسيين الأمريكيين يأكدوا ان الولايات المتحدة غير معنية بتكرار السيناريو العراقي او الأفغاني في سوريا, لهذا فالرؤية الأمريكية ترغب في الحفاظ على المؤسسة العسكرية لكن مع ضمان وصولها الى مرحلة الأنهاك.
كثير من المقربين من دوائر صنع القرار الأمريكية تولد لديهم شعور متصاعد بأن التسوية السياسية السورية لا تتصدر الأجندة الأمريكية, بل تعتبر جزئية من تسوية الحل النهائي. فالانقلاب الحمساوي –مثلاً- و مواقف خالد مشعل الأخيرة تشير الى انجاز حقيقي متعلق بملف الفصائل الفلسطينية, بينما يبقى حزب الله الان حجر العثرة الأكبر امام المضي قدما في التعاطي مع النظام السوري سياسياً.
هذا ما يفسر تعاظم الحديث عن دور حزب الله في الأزمة السورية, و كأن الولايات المتحدة تقول ضمناً أن حزب الله هو "تركة سورية" لا يمكن للتسوية في سوريا أن تمر دون ان تشمل التفاهمات حزب الله.
احدى التوظيفات الأمريكية الجديدة ترتبط تماماً بالمثلث الحدودي المشترك بين (الأردن, العراق و سوريا) و الذي يشهد حالات من الغموض و الارتباك الواضح مؤخراً بالرغم من طوق السيطرة المفروض من قبل المؤسسة العسكرية الأردنية التي شكلت و تشكل صمام أمان للأمن الوطني الأردني.
الرؤية الأمريكية تسعى الى ايجاد سياق عازل بين سوريا و ايران من هنا تاتي اهمية توظيفات هذه الرقعة الجغرافية أمريكياً بحيث تكون الخط الفاصل بين ما يسمى الهلال السني و الهلال الشيعي وفقاً للادبيات الأمريكية.
مجمل المعطيات تشير ان المنطقة دخلت في سيناريو الاختراقات المتبادلة, فالاختراق الأردني للهلال السني يُظهر اهمية الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية الأردنية, حيث أظهرت هذه المؤسسة امتلاكها لمفاتيح "فك شيفرات" هذه المعادلات, وفقاً لمنطق تطور أوضاع جغرافية مثلث "التشابك الحدودي السوري العراقي الأردني" ذو البعد الاقليمي السعودي و تطور شكل الوضاع السياسية الأقليمية و ضغوطاتها حيث لخصها أحد رموز المؤسسة العسكرية الأردنية مؤخراً بعبارة أردنية موجزة "احنا بندبر حالنا".
لهذا فان محاولات الاختراق من قبل "الهلالين" قد تتعدد في الايام القادمة و تاخذ صوراً مختلفة, بدءً من ايلات و محيطها وصولاً الى الاطراف الاقليمية.