أكثر ما يُحزن ـ ويُخجل ـ أي وطني أردني، أن يقال إن الأردن وافق على توريد الأسلحة إلى جماعات المعارضة السورية، مقابل مليار دولار، أو كما عنونت إحدى الصحف العربية: " الدولارات تفتح حدود الأردن أمام تهريب السلاح إلى سورية. "
ربما كان المسؤولون الأردنيون هم أكثر مَن يعرف مخاطر تسليح الجماعات السورية التي يسيطر المتشددون والإرهابيون عليها ميدانيا. وربما كانوا يدركون جيدا أن رحلة السلاح والمسلحين إلى سورية، لها عودة أكيدة إلى الديار الأردنية. إذاً، لن أناقش هذا الموضوع، وإنما ما يُثقل على قلبي هو صورة الأردن كدولة مستعدة لمقايضة مواقفها ومصالحها الاستراتيجية، بالمال!
المصالح الوطنية الاستراتيجية للدول ليست بضائع سياسية معروضة للبيع، وإذا كان الأردن في حالة أزمة مالية متفاقمة، فإن مسؤولية نشوء هذه الأزمة تقع على عاتق النهج النيوليبرالي، نهج الخصخصة وانسحاب الدولة من دورها الاقتصادي والاجتماعي، نهج الهدر المالي والفساد والتسيّب الإداري، نهج منح الامتيازات "للمستثمرين" على حساب الخزينة والمجتمع.
ومع ذلك كله، كان يكفي أن تصارح الدولة، الأردنيين، وتخيّرهم بين مصالح بلدهم الاستراتيجية، وبين المساعدات والمنح، وأنا واثق أن ابناء الأردن سينحازون إلى وطنهم واستقلاله وأمنه وصورته المشرقة، مهما كان الثمن باهظا.
بالمقابل، فإن الفئات التي حققت الملايين والمليارات، على حساب الدولة والمجتمع، ستتجه فورا إلى بيع الوطن للحفاظ على ثرواتها ومستوى حياتها الباذخ. وهي تدفع باتجاه الحلول الجزئية لأزمة المالية العامة من خلال القروض والمنح والمساعدات، مهما كانت شروطها الاقتصادية قاسية على الفئات الشعبية، ومهما كانت شروطها السياسية، ضارة بأمن الوطن وسلامته واستقلاله وصورته.
حسنا .. هذا هو جوهر الصراع في بلدنا، مما تغيّبه الحكومات بخطابات تبرير الخضوع لسياسات صندوق النقد الدولي وكأنها قدر محتوم، وما يضيّعه البرلمان في الغرق بتفاصيل فئوية وطموحات شخصية، وتدفنه المعارضات بالتركيز على ترّهات ما يُسمّى الإصلاح السياسي، سذاجةً من البعض، وتخطيطا من البعض في خارطة طريق للاستيلاء على السلطة، واستعادة السياسات النيوليبرالية ذاتها، كما يحدث في مصر الإخوانية.
المسألة الأساسية هي الآتية: تفاقم العجز الفعلي والمطلق في الموازنة العامة ( يتمثل الفعلي في العجز عن تمويل استحقاقات الموازنة، و المطلق في العجز عن تمويل استحقاقات التنمية وتطوير الخدمات الاجتماعية)، والسؤالان الأساسيان في هذه المسألة، هما : ما هي أولويات الإنفاق؟ وكيف نغطي العجز؟
في الأولويات، هل نستمر في الإنفاق على تضخّم الإدارة، وعلى البنى التحتية لصالح المقاولين وتجار الأراضي الخ ودعم الرأسماليين و " المستثمرين" والإنفاق الترفي الخ أم نذهب إلى التنمية المستدامة في المحافظات، والتركيز على إعادة السيطرة على القطاعات الرئيسية كالمناجم والاتصالات والنقل، والشروع في خطة لاستنهاض الصناعة وتمويلها وحمايتها ؟
وفي تغطية العجز هناك بديلان : يتمثل الأول في المزيد من الاقتراض الذي يعني مزيدا من العجز ( جراء تزايد أقساط المديونية العامة وفوائدها) والقبول الدائم بنموذج اقتصادي معاد للتنمية وللمجتمع، وترجّي المنح والمساعدات المشروطة سياسيا، (بما في ذلك تعديل قوانين حساسة وفتح باب التجنيس والكونفدرالية والتدخل في الحرب السورية)، ويتمثل الثاني في التمويل الذاتي للعجز من خلال قانون جذري في الشمول والتصاعدية، للضريبة على الدخل والمبيعات، وللرسوم الجمركية والبلدية الخ كما من خلال تصفية ملفات الفساد واستعادة الأموال العامة المنهوبة.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم