هامش المناورة يضيق اقتصاديا
حسن الشوبكي
16-04-2013 04:29 AM
الفريق الاقتصادي الحكومي في وضع لا يحسد عليه؛ فهو محل تجاذب بين شارع رافض لأي زيادة في أسعار الكهرباء (بنسبة 16 %) كما هو مرتقب، وبين جهات دولية -على رأسها صندوق النقد الدولي- تربط استكمال تحويل الدفعات المتبقية إلى موازنة البلاد، والبالغة 1.4 مليار دولار، باتخاذ قرارات مثل قرار الكهرباء المتوقع، وما سبقه من قرارات ألغت الدعم عن أسعار المشتقات النفطية.
النوايا الحسنة لدى الحكومة موجودة، ولكنها لا تكفي لمواجهة مأزق المديونية الضخمة لشركة الكهرباء الوطنية، بعد أن بلغت خسائرها المتراكمة 2.4 مليار دينار، والتي جاءت بسبب دعم الحكومة لأسعار الكهرباء. ولا أعلم ما هي الوصفة السحرية التي ستخرج بها الأسابيع المقبلة، ليرضى الشعب وترضى الحكومة، وترضى قبلهما مؤسسات التمويل الدولية؛ فهذا أمر يجمع كل المتناقضات. ولا أحسب أن هامش المناورة الاقتصادية واسع بالنسبة لحكومة عبدالله النسور قبيل الثقة أو حتى بعدها؛ فثمة كلفة ستدفع، والمأمول أن لا تكون باهظة.
وحتى لو نجحت الحكومة اقتصاديا في رمي عبء القرار على النواب، فإن التوازن بين أطراف العلاقة الأربعة في إشكالية العجز المالي (الحكومة، والشعب، والنواب، وصندوق النقد الدولي)، يشبه إلى حد كبير السير على حبل مشدود. وأعتقد أن الحكومة ماضية في تنفيذ القرار، ولكن كلفة ذلك تقع في دائرة التخمينات، وهي التي لم ينجح في حسابها جيدا النسور والفريق الاقتصادي في حكومته الأولى عندما اتخذ قرار إلغاء الدعم عن أسعار المشتقات النفطية قبل خمسة أشهر.
لا حسم بشأن قرار رفع أسعار الكهرباء، وإن كانت الترجيحات تشير إلى المضي نحو اتخاذه بالتدريج. وفي موازاة ذلك، لم ينطو بيان الحكومة لنيل الثقة على خطة اقتصادية محكمة، تسهم في تغيير الحال الاقتصادية في غضون ما تبقى من هذا العام، أو حتى في العامين المقبلين، واكتفى البيان في الحديث الاقتصادي بملامح عامة وعناوين عريضة، ليست ذات صلة ببرنامج زمني محدد، وعادت الحكومة إلى حديث النوايا، وهو ما لا يسعف في ظل حلكة الملف الاقتصادي للبلاد، والتهديدات التي تحيط به.
غير أن الإصلاح التشريعي بدا جاذبا في بيان الحكومة. فمشروع قانون الضريبة الذي سيرفع إلى النواب، قد يقدم حلولا لمأزق عجز الموازنة، من خلال تحسين الامتثال الضريبي، وملاحقة المتهربين، وحفز الاستثمار، وتكريس مبدأ تصاعدية الضريبة بحثا عن عدالة مفقودة في تحمل الأعباء الضريبية. أما مشروع قانون حماية المستهلك، فقد يعيد للاعتبار أوضاع المستهلكين التي طالتها حالة مزمنة من النكران، وقع على إثرها المستهلك فريسة لأسعار المضاربات والاحتكارات؛ سواء المحلية أو الخارجية، بينما كانت الهوامش التي تتحرك فيها الدولة ومؤسسات القطاع الخاص لحماية المستهلك ضعيفة وعديمة الفائدة.
وفي الوقت الذي تبحث فيه الدولة عن حلول عاجلة، وربما مؤلمة، لإشكالية العجز المالي، يقف مشروع قانون الكسب غير المشروع أو "من أين لك هذا؟"، في زاوية مهمة تحتاجها البلاد، لوضع حد للفساد المستمر، والنهب الذي تعرضت له أموال الدولة. وهو تشريع قديم جديد، من شأنه وضع حد للتعدي الذي يجري بحق المال العام. وفي تشريع كهذا، فإن من السهل ملاحقة من أثرى على حساب الخزينة، وردعه، واستعادة الأموال المنهوبة. صحيح أن هذه المهمة ليست سهلة، وستجد من يحبطها، لكنها بداية يحتاجها الأردن حتى يتجاوز صورة نمطية ذات صلة بعدم وجود حرمة للمال العام، وسط ثقة ضئيلة أو منعدمة بين المواطن والدولة في هذا المجال.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد