حال الحكومة في عرض بيانها الوزاري أمام مجلس النواب، لا يختلف عن حال النواب،عندمت ترشحوا للانتخابات ،حيث طرحوا بياناتهم الانتخابية، وأغرقوا الشوارع والساحات العامة باليافطات والصور والشعارات الانتخابية، والهدف في الحالتين الحصول على ثقة الناخبين .الحكومة من خلال بيانها الوزاري ، تسعى للحصول على أصوات أكبر عدد من النواب.
البيانات الانتخابية ،تتضمن عادة أفضل ما يعتقد المرشح ومستشاروه ، انه يرضي الناخبين ويحقق مصالحهم ،من أفكار وحلول وبرامج ومواقف ومشروعات، ازاء التحديات المطروحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
الفرق أن آلية عمل مجلس النواب ، في السعي لتحقيق البيانات والشعارت الانتخابية ، تتم وفق الدستور من خلال التشريع والرقابة على أداء الحكومة،لكن التقاليد البرلمانية الاردنية ، أضافت الى ذلك مهمة أخرى، وهي سعي النواب الى تحقيق مطالب ناخبيهم ، في التوظيف والترفيع وخدمات اخرى محلية وفردية،عبر اتصالات مباشرة مع الوزراء وكبار المسؤولين،وابرام صفقات فردية،وهي مهمات تضعف من قوة وهيبة النواب أمام السلطة التنفيذية !
ربما تكون مهمة المرشحين في الانتخابات النيابية، للحصول على أصوات الناخبين ، أسهل بكثير من مهمة حكومة الدكتور عبد الله النسور، في الحصول على ثقة النواب ،التي تقدمت بيان وزاري مطول مكون من "94 صفحة" لمجلس النواب يوم أمس ،وستواجه مارثون مناقشات الثقة خلال الأيام المقبلة.
فالمرشحون للانتخابات النيابية ،يعتمدون حتى الان ،اما على دعم عشائرهم ومناطقهم وعلاقاتهم الشخصية، أو على قدراتهم المالية ونفوذهم المستند ،الى تقلدهم مواقع حكومية سابقة، وتقديم خدمات لدوائرهم الانتخابية،أما التصويت على أساس البرامج السياسية ، فلا يزال حلما في ظل غياب احزاب سياسية فاعلة ، كما حدث في انتخابات البرلمان السابع عشر الاخيرة ،حيث كانت تجربة "القائمة الوطنية" أقرب الى الكوميديا السياسية!
اما الدكتور النسور، فهو مضطر لخوض المركب الصعب،في مهمة البحث عن الثقة، بعد تجربة مشاورات تشكيل الحكومة المارثونية، وقبلها مشاورات الديوان الملكي مع النواب لاختيار رئيس الوزراء،اذ تبين ان الكتل النيابية هي مجرد كيانات هلامية وهشة، سرعان ما تنقسم وتتوالد لأبسط الأسباب ،أذ كانت الامزجة الشخصية هي المحرك الرئيس، لمواقف الكثير من النواب،ومرة أخرى فان ذلك يعود الى غياب كتل برلمانية حزبية .
رغم وجود كتل برلمانية عديدة ،فان حصول الحكومة على الثقة ،لن يعتمد على مضمون البيان الانتخابي ، بل على اتصالات الرئيس ووزرائه الفردية مع النواب،وربما وعود بتحقيق مكاسب ، اكثر من الرهان على التزامات ووعود كتل ، تتعرض للانشقاق لمواقف شخصية، او بسبب حالة حرد لعدم تلبية مطالب ،أو بسبب دعوة عشاء ، وما يزيد تعقيدات الموقف ، ان الرئيس تعهد بادخال نواب في حكومته خلال الاشهر المقبلة، والحقيبة الوزارية مطمح لعدد كبير من النواب،لكن عدد الحقائب محدود، وهو ما سيجعل الحسابات والمواقف اكثر ضبابية!
هذا المشهد،يجعل مصير حكومة النسور في معركة الثقة غير حاسم ، بعكس الحكومات السابقة ،التي كان الجدل يدور حول عدد الاصوات التي ستفوز بها،كما حصل مع حكومة ال"111" !
لو كان ثمة كتل حزبية، لكانت المهمة سهلة والنتيجة معروفة مسبقا، وغير خاضعة للرهانات، فالاحزاب السياسية هي من يصنع الحكومات البرلمانية .
Theban100@gmail.com