العنف في الجامعات .. من المسؤول ؟ (2-3)
د.احمد القطامين
14-04-2013 08:31 PM
في الجزء الاول من هذه المقالة الذي نشر الاسبوع الماضي حاولت بناء ارضية مناسبة تساعد على تحديد الاسباب الكامنة وراء العنف الطلابي في الجامعات، وخلصت في تلك المقالة الى ان السبب الاكثر عمقا لهذه الظاهرة المقلقة هو سبب اجتماعي تربوي ثقافي ووجداني بالدرجة الاولى، تتحمل اطراف عديدة مسؤوليته.
فمثلا المجتمع لم يساهم في تنشئة أبناءه على اسس حداثية سليمة، فالتحق الطالب بالمدرسة ليواجه بيئة لا تختلف في شيء عما تعود عليه قبل دخوله المدرسة. فالمـدرس - نتيجة لأسباب كثيرة - لا يختلف عما عرفه الطالب في مكان سكنه من اشخاص، والمناهج التربوية تركز على تزويد الطالب بالمعرفة النظرية غير التطبيقية ولا مجال للحديث عن تنمية شخصية انسانية تفاعلية متوازنة لدى الطالب. اما الزملاء حوله فوجدهم يهيمون حبا وفخرا بانتماءاتهم العشائرية والقبلية واحيانا الطبقية.
واخيرا انتقل الى الجامعة ليجد الاستاذ الجامعي لا يختلف عما رآه وعايشه من اشخاص، فوصل الى النتيجة المخيفة التي مفادها ان التعليم والتربية شيء والسلوك شيء اخر، وان الارتباط بينهما ليس ضروريا، فتعمقت لديه قيم لا تتناسب مع وضعه الجديد كطالب جامعي.
يدعي البعض ممن تعودوا على اللجوء الى الحلول السهلة للقضايا الشائكة ان المشاجرات الطلابية تحدث لسببين: الاول الاختلاط بين الجنسين في الجامعات، والثاني القيم القبلية والعشائرية عند الطلبة.
وهذا الرأي يدخل في خانة كلمة الحق التي اريد بها باطل.. صحيح ان بعض المشاجرات الطلابية تتم على خلفية موضوعات من هذا القبيل، ولكن الاصح ان الاختلاط مثلا يجب ان يخلق اجواء تخفف كثيرا من الميول العنيفة لدى الطلبة الذكور بالذات، علما بان المشاجرات الطلابية لا تتم بين الطلبة الذكور فقط، فالاناث لهن دورهن في المشاجرات ايضا.
ولنا مثالا في الحادثة التي تمت في احدى الجامعات الرسمية بين طالبتين قبل عدة سنوات والتي قام احد الطلبة بتصويرها بواسطة جهازه النقال ونشرها عبر الفضاء الالكتروني الى عدد كبير من الناس، وبين التصوير ان احدى الطالبات انقضت على زميلتها بضربات كارتيه بارعة وظلت توسعها ضربا حتى فقدت الوعي أمام اعين حشد ضخم من الطلبة الذين كانوا يكتفون بالتصفيق والهتاف.
ان علينا ان ندرك ونحن نحاول إيجاد حلول لهذه الظاهرة ان الطالب جاء من المدرسة الى الجامعة مسلحا اصلا بالميل الى العنف والشجار والرغبة في حسم خلافاته مع الاخرين باسلوب البلطجة وان الجامعة هي المكان الذي يجب ان تشذب فيه هذه الصفات.
بالاضافة الى ان الطالب لديه ميل آخر تدميري وهو الميل الى العبث في الممتلكات العامة، لذلك عندما تحدث اية مشاجرة في اية جامعة يصب المتشاجرون جام غضبهم على الممتلكات الخاصة بالجامعة فيشرع طرفي الشجار في تدمير ما يعترض طريقهما من مقاعد او اشجار او زجاج.. الخ.
إذن المشكلة مركبة ومعقدة ومتعددة الابعاد ومواجهتها وحلها تتطلب طرقا جديدة تربوية ابداعية بعيدة عن منطق الفزعة التي إعتادت جامعاتنا اللجؤ اليه..
الجزء االثالث من هذه المقالة.. قريبا
qatamin8@hotmail.com