العنف في الجامعات الأردنية
د. محمد أحمد الكركي
14-04-2013 08:13 PM
نمت ظاهرة العنف في الجامعات الأردنية خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ كنتيجة حتمية لظروف بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية ملتهبة، بما حملته لنا العولمة العالمية ومآسيها من أزمات أثرت سلبا على النسيج الاجتماعي والاقتصادي المشحون والقابل للتأثر. وتسيء هذه الظاهرة لسمعة التعليم العالي في الأردن. ولا يقتصر الأمر على الجامعات الرسمية، وإنما يتعدى ذلك ليشمل الجامعات الخاصة، بحيث أصبحت ممارسات العنف في الجامعات تؤرق المجتمع الأردني، باعتبارها تشكل واقعاً ملموساً، لا بد من التعامل معه لتلافي وقوع أحداث مؤسفة يحركها ويغذي شرارة نيرانها ضعفاء النفوس، بهدف الإخلال بمنظومة الأمان، في بلد كتبت عليه المعاناة بحكم موقعه الجيوسياسي.
وعلى الرغم مما تحقق من نجاح في التجربة الأردنية، إلا أن المعطيات الحالية تدعونا جميعا إلى وقفة متأنية، لتقييم التجربة ومواجهة بعض ما ألم بمكونات تعليمنا الجامعي من مشاكل، وما اعتراه من سلبيات يأتي في مقدمتها ظاهرة انتشار العنف الجامعي.
ففي جانب عرض المشكلة والاعتراف بوجودها، نجد تهويلا كبيرا لحجم المشكلة، بما يؤثر سلبا على سمعة مخرجات التعليم، على الرغم من حقيقة أن ما يحدث في جامعاتنا من عنف جامعي، يحدث في جامعات أخرى في العالم، مع اختلاف طريقة الاعتراف بالمشكلة وعرضها.
أطروحات البعض المتضمنة ربط مشكلة ظاهرة العنف الجامعي بتدني معدلات القبول لبعض الطلبة في بعض الكليات وانتشارها في الكليات الإنسانية دون غيرها، من شأنها مناكفة الحقيقة والالتفاف عليها هروبا من الواقع، فالمعطيات الحالية تبين وجوده المشكلة في بعض الكليات العلمية التي تضم النخبة من الطلبة.
ولماذا نلقي لومنا على الطلبة دون سواهم؟، أو ليس المدرس الأقرب إلى الطالب في الجامعة ملام في بعض الأحيان. وهل نحن معشر الأكاديميين والمدرسين بأفضل حال من طلبتنا في هذا الجانب؟ أو لسنا جزءا من هذا المجتمع ونتأثر به كما هو حال طلبتنا؟ فالأولى بنا إذن الاعتراف ببعض الممارسات العنفية - المباشرة وغير المباشرة، بقصد أو بغير قصد – التي تصدر عنا مع زملائنا الأساتذة وطلبتنا، والتي من شانها أن تفاقم من آثار المشكلة من خلال انعكاسها على طلبتنا الذين يرون في أساتذتهم القدوة الحسنة.
وفي جانب البحث عن حلول للمشكلة، فان أفضل الحلول يمكن أن يكون في إعادة النظر بالخطط الدراسية للأقسام بشكل دوري، ومراعاة احتياجات سوق العمل للتخصصات والاستعاضة عن الساعات الخاصة بما يسمى بـ "مواد الحشو" لاستكمال الخطة بساعات مفيدة لنشاطات لا منهجية (مجانية) لتعبئة وقت فراغ الطلبة داخل الحرم الجامعي، كما أن من المفيد زيادة ساعات التدريب الميداني للطلبة وتوجيه وقت المحاضرة في البحث العلمي والنقاش الموضوعي الهادف إلى استخدام أساليب البحث العلمي الحديثة بعيدا عن التلقين والحفظ.
وليعي من يقترح مواجهة المشكلة برفع أسوار الحرم الجامعي وتركيب كاميرات المراقبة وزيادة الأمن الجامعي، أن حل المشكلة لا يمكن أن يكون من خلال هكذا إجراءات، بل بتوفير نشاطات لا منهجية تساعد في تعبئة وقت الطالب الجامعي. ولنا في الجامعات الغربية التي تحتل مواقع متقدمة في التصنيفات العالمية مثالا يُحتذى في هذا الجانب، حيث تقوم هذه الجامعات على فلسفة على أن الجامعة وجدت للطالب الذي يحب أن يتعلم بعيدا عن أي حسابات أخرى، شريطة احترامه لقوانين الجامعة وتعليمات إدارتها، تكريسا لمبدأ الانتماء والولاء لمكون الأرض المقام عليها الصرح الجامعي، لا المصلحة الشخصية والنفع الآني. وان بإمكان الطالب الاستفادة من كافة المرافق الجامعية الموجودة بطرق ميسرة وأساليب مختلفة، بعيدا عن قيود وجود الأسوار وكاميرات المراقبة والأمن ..الخ. وما وجود الحرم الجامعي، إن وجد، إلا بقصد إضافة لمسة جمالية أو تحديد مسؤولية إدارية لا أكثر، إدراكا منها لمقدرات الطالب الذي تقبله واعترافا منها بسويته ويقينها بحاجتها لرفع سويتها وسمعتها من خلاله. فالجامعة الكفؤة بحاجة للطالب الجاد، الواثق، الباحث الصبور، النجيب، لا الخانع، البصيم، مهزوزالثقة.
وفي الختام، فان ظاهرة العنف تعود في الأساس لسلوكيات الفرد وترتبط به وبأسرته وبمجتمعه والبيئة المحيطة به. وهي ملازمة له، ومؤثر رئيسي في طباعه. ولا بد من تضافر جهود الجميع لمحاربتها والحد من آثارها.
رعى الله الأردن بلدا أمنا وسدا منيعا أمام محاولات الأعداء والمتربصين وحمى قيادته وشعبه من كل مكروه.
maskaraki@yahoo.com