التغيرات التي تحدث في السوق المالية والنقدية تلفت النظر وتستحق البحث ، أحد هذه المتغيرات أن التردد الذي كانت تظهره البنوك في تغطية ما تطرحه وزارة المالية من سندات الخزينة ، وترفع سعر الفائدة على ما تقبله منها ، هذه الظاهرة انقلبت الآن ، فأصبحت التغطية 300% ، وبدأ سعر الفائدة بالانخفاض ، فماذا جرى؟.
ما جرى هو أن التيار التراجعي السابق الذي كان يمثله هبوط احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية بشكل يرفع خطر الدينار ، انقلب الآن إلى تيار تصاعدي يجعل الدينار الأردني في مركز قوي.
في الفترة السابقة بالغت البنوك في شـراء الدولارات من البنك المركزي ، وأخذت مراكز بالدولار توقعاً للأسوأ. واليوم ينعكس الحال ، وتبيع البنوك دولاراتها إلى البنك المركزي مما يخفـّض موجوداتها من العملة الاجنبية ويرفع الاحتياطي ولو بشكل غير مستقر.
لدى البنوك الأردنية ودائع كبيرة بالدولار تعود للجمهور ، وتدفع عليها فائدة مخفضة تتراوح حول 1% ، فلماذا لا تقلب تلك الدولارات إلى دنانير لدى البنك المركزي ، وتوظفها في سندات الخزينة ، لتكسب أكثر من ثمانية أضعاف الفائدة التي تدفعها للمودع بالدولار؟ تجارة رابحة دون مخاطر ، أليس كذلك؟.
على حساب المودعين الذين يحتفظون بمدخراتهم بالدولار ، وعلى حساب البنك المركزي تحقق البنوك هامش فائدة كبير دون أن تأخذ في مقابل ذلك أية مخاطر ، طالما أنها تستطيع إعادة شراء الدولارات من البنك المركزي في أي وقت تشاء بسعر صرف ثابت لم يتغير منذ أكثر من 15 عاماً ، ولن يتغير خلال النسوات القليلة القادمة.
انتقال الدولارات من البنوك التجارية إلى البنك المركزي يرفع الاحتياطي الرسمي من العملات الأجنبية ، واستردادها يخفض الاحتياطي ، وفي الحالتين لا يحدث شيء ذو بال من وجهة نظر الاقتصاد الوطني فالانتقال من العب إلى الجيب وبالعكس ، ولكن التأثير المعنوي والنفسي كبير.
يكفي القول بأن احتياطي البنك المركزي الذي انخفض في العام الماضي لأسباب مصطنعة كان قد ارتفع في عام 2011 لأسباب مصطنعة أيضاً.
تقلبات الاحتياطي لم تعد تثير المخاوف وتطلق الإشاعات ، فالدينار الأردني سيظل بخير ، ليس فقط لأن الاحتياطي كبير ، ومطمئن ، بل لأن الأردن سيظل يتلقى عملات أجنبية بكثافة من حوالات المغتربين ومقبوضات السياحة وتدفقات الاستثمارات ، فضلاً عن الصادرات والقروض الأجنبية.
المودعون بالدولار يشترون بوليصة تأمين بكلفة عالية لتغطية خطر غير موجود . وتتحول خسائرهم إلى أرباح سهلة للبنوك التي تدرك عدم الحاجة لهذا التأمين.
الرأي