بدأت معركة الثقة مبكراً، منذ أن ترك الرئيس "بتكتيك" سياسي يُحسد عليه، الباب "مُوارباً" لكل الاحتمالات، ذلك أن الرئيس البرلماني السابق، أدرك سيكولوجية النواب الأردنيين فاتخذ خطواته تبعاً لها، على القاعدة الإعلامية اعرف جمهورك، تدرك هدفك.
في ماراثون الثقة الذي يُمهدُ له عادة وبأسلوب استعراض مُشبع بأجواء الأكشن والإثارة، تبدأ الخطابات الساخنة والأخرى الفاترة على الهواء مباشرة وتتعالى التهديدات والتحذيرات ورهن الثقة بالاستجابة للمطالب والأحلام، وتتداعى أو تكاد، ثقة الحكومة بنفسها. يأتي المَدد، وتتهافت الرسائل القصيرة على هواتف النواب المحمولة، وتدور الدنيا، ينتهي ذلك المساء الصعب مختتماً بعبارة ستبقى مدوية للساعات المقبلة .."لدولة الرئيس وحكومته، ثقة ونص".
من عبدالله النسور إلى مجلس النواب السابع عشر وبالعكس، مواجهة لا احتمال فيها لأرقام قياسية مثل الـ(111) أو لنتائج مُمسرحة أُعدت مسبقاً تم خلالها تحديد المانحين والحاجبين.
فأي الصفقات تلك التي ستحكم نتائج المعركة، أهي المقاعد الأحد عشر التي تُركت شاغرة بانتظار الحالمين بها، وسط أجواء محمومة من الرغبة لدى نواب بأعينهم للتوزير، أم لعلها مضامين برنامج الحكومة الذي سيطرحه الرئيس سعياً نحو الثقة.
أليس من المنطقي أن تكون الصفقة الوحيدة الكفيلة بإدارة المشهد هي المواطن ومحله من الإعراب وأين هو من طروحات الحكومة ومشاريعها واستراتيجياتها المستقبلية، ثم أين هو من اهتمامات النائب الذي دفع به إلى المجلس.
يراهن الرئيس على معركة هادئة أُعد لها منذ التشكيل أو قبله، فسلسلة التفاهمات والصفقات التي تلوح بالأفق تُعطي الحكومة نَفَسَ الطالب المُجتهد قبل الامتحان، ويراهن النواب على التزام الحكومة بتنفيذ وعود تتعلق بقضايا مطلبية وخدماتية أهمها الوظائف والتعيينات، "كيفما اتفق".
وعلى ماذا يراهن المواطن، على وعود النواب وشعاراتهم الانتخابية التي بللها شتاء الموسم وأسقط بعضاً منها، أم على استعراض بعض النواب في قضايا مثل الأسعار والكهرباء وقوانين المالكين والضمان والضريبة، لغايات تجميلية فحسب.
ما يجري الآن على الأرض من تعيينات على الغارب لاسترضاء بعض النواب لعله يسدُ رمق بعض الناخبين فيهللون لنوابهم، لكنه بالضرورة سيفاقم من أزمة الترهل والكثرة التي تعيق الحركة وتثقل كاهل مؤسسات مثل الأمانة التي لا تجد ميزانية لرفع أكوام النفايات في بعض أحياء العاصمة.
وبعد ان دخلنا مرحلة اعتقدنا انها مختلفة من مشاورات نيابية أرادها الملك طوعاً، وأخرى حول التشكيل الوزاري وإعطاء المجلس فرصة العمل النيابي المنفرد دون تدخلات تقليدية نعرفها جميعاً، نكتشف أننا لم نختلف قيدَ أنملة، وبقيت العقلية النيابية الخدماتية هي التي تقود المشهد دافعة (الرئيس الجديد ذا الفكر الرشيد) للبقاء في خانة الاسترضاء بذات المكيال الخدماتي الذي وُصف نيابياً بالرشوة. ماذا إذن لو تضمنت صفقات الثقة، تعيينات استرضائية لمواقع قيادية تُعيد الرجل غير مناسب على رأس مؤسسات لا يَنقُصُها الترهل؟.
في المعادلة كلها، ما يزال المواطن والوطن بالمناسبة.. العنصر الغائب، وإلا لكانت النظرة أكثر شمولاً، لتتطلع الى إنقاذ اقتصاد الوطن بدل الإمعان في توريطه وكذلك مؤسسات البلد التي هي بحاجة ماسة الآن لقادة ينقذونها، لا أسماء تأتي على وقع الابتزاز والصفقات.
hani.badri@alghad.jo
الغد