للوهلة الأولى، ساد انطباع بأن جهات رسمية تقف خلف الهجوم النيابي والإعلامي على دول خليجية؛ السعودية وقطر على وجه التحديد. بيد أن التطورات اللاحقة بددت هذا الاعتقاد؛ تصريحات وزير الخارجية ناصر جودة، خلال لقائه "خارجية النواب"، ولقاءات كبار المسؤولين مع سفيري الدولتين في عمان لتوضيح الموقف والتبرؤ من كلام بعض النواب. وفي وقت لاحق، أصدر مجلس النواب بيانا يثمن دعم الدول الخليجية للأردن. ويؤكد مسؤولون أن مرجعيات عليا في الدولة كانت منزعجة جدا من الإساءات التي صدرت بحق الدول الخليجية وقادتها، وهي التي دفعت باتجاه إصدار بيان من مجلس النواب، كما طلبت من وسائل إعلام رسمية شن حملة مضادة لتأكيد "عمق" العلاقات الأردنية مع دول الخليج.
لكن هذه الردود، على أهميتها، لا تعني بالضرورة أن علاقات الأردن مع الدول الخليجية "سمن على عسل" كما يقال. ربما تكون كذلك مع السعودية، أما مع قطر على وجه الخصوص، فالمسألة مختلفة.
في اعتقاد الكثيرين، هناك أزمة صامتة بين الأردن وقطر، تتمحور في الأساس حول تباين موقف البلدين من ثورات الربيع العربي؛ الأردن ينظر بكثير من القلق لدعم قطر للإسلاميين في مصر وتونس وليبيا وسورية بالطبع. الخلاف حول الموقف من الثورة السورية هو الأكثر وضوحا، وقد ترددت أنباء عن ضغوط قطرية على الأردن لفتح حدوده لتسليح المعارضة. وتدعي بعض الأوساط أن الخلاف بين الطرفين لم يكن على المبدأ، بل على الثمن الذي يتعين على قطر دفعه مقابل ذلك.
بالنسبة لمسؤولين حكوميين، عدم التزام قطر بدفع حصتها من المنحة الخليجية للأردن، والبالغة 250 مليون دولار لهذا العام، دليل حي على وجود أزمة عميقة. ويعتقد مسؤولون كبار في مؤسسات الدولة أن دولة قطر لن تدفع فلسا واحدا للأردن في الوقت الحالي.
الحضور الأردني "المتأخر" في القمة العربية التي عقدت في الدوحة قبل أسابيع، كرس الانطباع بوجود أزمة على الجانبين.
على الجانب القطري، لم يكن صعبا ملاحظة الاستياء من تصريحات منسوبة لمسؤولين أردنيين تحمل في طياتها انتقادات قاسية للدور القطري في المنطقة، وما سمي بتحالف المتطرفين "قطر، وتركيا، ومصر".
على الرغم من ذلك، لم نشهد من الجانب القطري ردود فعل علنية تجاه الأردن. على المستوى الإعلامي مثلا، حافظت قناة الجزيرة القطرية على تغطية متوازنة للأحداث في الأردن، وتجنبت الخوض في قضايا ساخنة تثير حساسية المسؤولين.
هذه بالطبع ليست المرة الأولى التي نشهد فيها أزمة بين البلدين. فطوال أكثر من عشر سنوات، كان الود بين البلدين هو الحالة الاستثنائية. آخر هذه المحطات بضعة أشهر قليلة من التفاهم بين عمان والدوحة حول عنوان واحد، هو الحرب في ليبيا؛ إذ سُجل تعاون مثمر لدعم جهود حلف "الناتو" هناك لإسقاط نظام القذافي. باستثناء ذلك، ظلت حالة عدم الثقة هي السمة الغالبة على علاقات البلدين، تعود في جذورها إلى عوامل مختلفة، ليس من المرجح أن تزول في وقت قريب.
fahed.khitan@alghad.jo
الغد