قراءة في سرايا الباشا - 2
محمود الزيودي
21-02-2007 02:00 AM
في عام 1996 كتبت سيناريو وحوار لفيلم تلفزيوني بعنوان ( ليل الاحرار ) موضوعه انهاء خدمات ( جون باجيت كلوب ) كقائد للجيش العربي . وانهاء خدمات مجموعة من الضباط الانجليز الذين كانوا على راس ألوية وكتائب في الجيش . كلف انتاج الفيلم اكثر من مائتي الف دينار بالاضافة لمساهمة القوات المسلحة بوحدات كاملة .وطائرة شبيهة بالطائرة التي تدرب الحسين على الطيران بها بمساعدة جوك دالجليش .. لم يذع الفيلم بسبب جهل المخرج باحداث الخمسينات وعدم متابعة التلفزيون لمراحل التصوير . ولم يزل شريط الفيلم حبيس ارفف مكتبة الفيديو في التلفزيون الاردني مع اشرطة مسلسل الانباط الذي انتجه التلفزيون بالتعاون مع اللجنة الملكية لاعلان عمان عاصمة للثقافة العربية عام 2002 ونقابة الفنانين الاردنيين . والسبب نفسه . المخرج الذي يريد الخلاص من تصوير العمل كيفما كان . وهو غير معني بالتفاصيل التاريخية لفترة العمل . وهذا موضوع اخر لا مكان هنا للبحث فيه .
خلال استكمال الابحاث عن مراحل تعريب قيادة الجيش العربي . اتيحت لي الفرصة ان اطلع على جزء من مذكرات بهجت التلهوني غير المنشورة . وكذلك يوميات لشاهر يوسف ابو شحوت بخط يده . كانت السيدة زوجته امينة وحريصه . بعد عرفت حاجتي . ابرزت الصفحات التي يتحدث فيها ابو شحوت عن تعريب قيادة الجيش فقط . واعتذرت عن اطلاعي على باقي المخطوطة ... عندما انهيت السيناريو والحوار على الورق راجعه محمد يونس العبادي من دائرة التوثيق في الديوان الملكي العامر . ثم ارسلته الى جلالة الملك الحسين . فهو الشخصية الرئيسية في الفيلم . بعدها بايام استدعاني العميد محمد خير الشميساني كبير المرافقين وسلمني النص . وعليه ملاحظات بخط اليد تصحح نداات الطيارين الاردنيين بين الطائرة والقاعدة في تلك الفترة . واخبرني ان ( المعلم ) جلالة الملك يرى ان نص الفيلم مطابق لاحداث تلك الفترة . فيما بعد تجبرت الله وصغت نص الفيلم في مسلسل اذاعي من ثلاثين حلقة انتجته اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية واذاعته خلال العام الماضي 2006 بعنوان ( الفجر يأتي مبكرا ) وحتى الان لا اعتبر نفسي مطلعا بالكامل على اسرار تلك الفترة .
* * * *
منذ طفولته ، تميز الحسين بكراهيته للانجليز كدولة مستعمرة وليس كأشخاص ( انظر علاقته بالعقيد الطيار جوك دالجليش قبل وبعد رحيل كلوب ) وللملك طلال بن عبدلله تأثير مباشر في هذه الحالة .. عندما دخل الكلية العلمية الاسلامية لاول مرة .
كتب الامير الحسين على اللوح ( يسقط الاستعمار ) . وحينما كان يدرس في ساند هيرست استأذنه الملحق العسكري الاردني في لندن صالح الشرع لاستقبال كلوب الذي يرغب بالسلام على الامير طالما انه ( ابو حنيك ) يقضي اجازته في بريطانيا . كان رد الحسين بالفم الملآن ( قول له بديش اشوف وجهه .. ما بتعرف ؟؟)
قبل عام 1955 وقبل ان يقوم الباشا نذير رشيد بسرقة وثائق الانسحاب من الضفة الغربية ( اذا وقعت الحرب ) وتسليمها للملك الحسين .. ( كانت في قيادة اللواء بالضفة الغربية ، وليس في قيادة الجيش بعمان ) .. قبل كل هذا كان الملك يعرف بالامر من خلال لقاء مباشر مع كلوب باشا . بعد مجزرة قبيبة عام 1953 وفي نقاش حاد ومربك بين الملك وقائد الجيش الانجليزي ( خلال اجتماع حضره اكثر من وزير ومسؤل ) صرح ابو حنيك بانه لن يكون قادرا على الدفاع عن الضفة الغربية ، وان المعاهدة البريطانية الاردنية لا تلزم بريطانيا بمساعدة الاردن للدفاع عن اراضي غرب النهر . ولان بريطانيا رفضت زيادة تسليح الجيش . ولانها رفضت استرداد وديعتها من الضباط الانجليز وعلى راسهم ابو حنيك . فقد قام الحسين بطرد قائد اللواء الثالث الزعيم ( العميد ) اوشتن المسؤول عن التقصير في انجاد قبيبة . كان الحسين على وعي بنقص اسلحة الجيش . وضعف موازنته لتشكيل وحدات جديدة فامر بانشاء الحرس الوطني وتسليحه بالتبرع من الاردنيين وغيرهم ليكون رديفا لقوات الضفة الغربية . ولا زلنا نذكر نصف الدينار الاردني الورق الذي حمل تذكار انشاء الحرس الوطني .
في يوم الحرس الوطني جمع الاردنيون من الضفتين فقراء واغنياء اكثر من ربع مليون دينار .. نقد .. مصاغ ذهبي من النساء .. وعباءة تبرع بها احد افراد قبيلة بني حسن لانه لا يملك غيرها ..
حينما انهيت خدمات كلوب وغادر المملكة كان الباشا نذير رشيد برتبة ملازم في سلاح المدرعات .. كان مجازا في السعودية بسبب زواج شقيقه هناك .. نذكر ان الضباط الوطنيين الاحرار ( اعلى من رتبة ملازم ) الذين اعتمد عليهم الحسين في عملية تعريب قيادة الجيش حوالي 37 ضابطا تتدرج رتبهم من قائد الى رئيس اما الضباط برتبة ملازم فهم حوالي 44 ضابطا .. كانت روح الشباب تغلب على الجميع بما فيهم الحسين ( 21 ) عاما .. يسجل لهؤلاء الشباب في تلك الفترة تكتمهم الشديد ... حتى ان رئيس الديوان الملكي بهجت التلهوني ومجلس الوزراء بكامله .. وكوجهيل مدير المباحث .. وعشرات المريدين للباشا ابو حنيك .. لم يعرفوا بقرار التعريب الا صباح يوم التنفيذ .. الجمعه 2 اذار 1956 ... كان التنظيم يضم 81 ضابطا مع قائدهم الاعلى .. وكان الملازم نذير رشيد واحدا منهم .. مثل بقية الملازمين الذين تاقوا لتحرير جيشهم وبلدهم من ربقة الاستعمار ... ولعل نجاحهم هذا بقيادة الملك الشاب قد سحب البساط من تحت اقدام السياسيين التقليديين من الحرس القديم .. فشعروا بالخطر واخذوا يدسون الدسائس هنا وهناك حتى وصل الامر الى الفتنة التي حدثت عام 1957 وكان للباشا نذير رشيد دور مؤثر فيها سنتحدث عنه في المقال القادم