في ذاك الزمان من التاريخ القديم حين قدم الملك ميشع قربانه للالهة، رد عليه اليهود قائلين: ويل لك يا مؤاب...!! وفي هذا الزمان حين تجاوز أبناء مؤاب على بعضهم بالضرب والقتل والحرق والتدمير في جامعة مؤتة والمركز الأمني في البلدة ،وأشعلوا فيها النيران وتركوها خراباً فإنني أنا التي سأقولها لهم هذه المرة: ويل لك يا مؤاب...
منذ فترة وانا أتحيّن المناسبة للكتابة عن الكرك مدينتي ومسقط رأس أبي وأجدادي لأسطر بفخر عبقها وتاريخها الاصيل وبسالة رجالها (رجال الهية، رجال الفزعة ). كنت ولازلت أتمنى أن أنظم قصيدة غزلية في مؤتة وأبناءها أحفاد جعفر الطيار وزيد وعبد الله وخالد...!! لكن مع الأسف قصيدة الغزل استحالت من ترنيمة مرتجاة الى صرخة قلب قسرية من أجل مؤاب، فقد خذلنا أبناؤها وخذلو جعفر وموسى وشعيب. أوجعوا أفئدتنا وجعلوا ابائهم يشيحون وجوههم خجلا... امهاتهم توارين وراء ابواب الأسى ليبكين بلوعة على الذي اقترفه ابنائهن .
لله درك يا مؤتة وقد حولوك من صرح للعلم الى مقبرة له. استباحوا ساحة الشرف التي طالما كانت ميدانا لحماية الوطن وحفروا فيها أوكارا للذئاب والثعالب تصول فيها وتجول دون رادع او وازع...!!أعتذر منك يا كرك، يا سيدة العصور... يا مرسى نوح وسفينته وحكمة الخضر والعبد الصالح والقديس جورجيوس الذي انتصب فيك عموداً من نور... اعتذر من ترابك وخبزك وسمائك ومن عيون سارة وشيحان... فهل تقبلين اعتذارنا المفجوع ؟
بالأمس تم إيقاف وتعليق الدراسة في جامعة مؤته لإشعار آخر ولن يفاجئني قرار التعليم العالي إن أغلقها تماماً إذا ما استمر الحال على ما هو عليه الان . وللأسف فإن حال الجامعات الاردنية الأخرى ليس أفضل كثيرا منها...!! فما شهدناه خلال الايام الماضية يفجع حتى الذين كانوا نفضوا أيديهم وأصدروا شهادة دفن التعليم العالي في البلد. كانت مشاهد مؤلمة لواقع أكثر إيلاما وأشد قتامة يطغى على نشراتنا الإخبارية فيضاعف فيها جرعة العلقم الذي بتنا نتعشى عليه في الثامنة مساء من كل ليلة .
لست من هواة الندب وجلد الذات وصفع الأبناء. ولا انا من الواقفين في طابور التنظير الذي يزدحم بأصحاب الأقلام المجندة والمقالات الفاقعة. فقط أردت أن أذكركم ونفسي بأن التاريخ لا يحفظه شبّيحة العلم ولا يكتبه طلاب الفزعات الهمجية ولا يحميه المتسكعون على درج الكافتيريات . أردت فقط أن أقولها يابسة في مسامعكم بأن أصحاب الأجندات "الممزوعة " تطاولت ايديهم علينا لتمس مستقبلنا كما فعلت بأرزاقنا و قوت عيالنا من قبل. نعم ... فهناك من يرغب بقتل مستقبل هذا البلد وطمس هويته الحضارية، يحلم بأن لا يتقدم هذا الوطن خطوة للأمام أويخرج من صندوقه الأسود... هناك من يهجس بأن تسيطر علينا الأمية الفكرية وينخرنا التلوث الاجتماعي، ويزربونا ماعزا أجرب في فراغ عقلي وخواء ديني واخلاقي، يريدون لنا أن ننغمس في التعصب القبلي والجهوي والديني غير المنطقي أو الانساني حتى تنعمي من البصائر ونظل نلوي في ذيل العالم الذي يتناوب علينا استغلالا وامتهانا ...
فيا أبناء دمي وإخوتي وعشيرتي... هذه صرخة من ابناء العيون الحمر المفتوحة أمام اللهب ... اللهب الذي أكل ثرواتنا وتحلى بجامعاتنا .صرخة نرجو أن تصل للذين ما زالوا يتكئون على مساند الاستهانة واللامبالاة . إسمعوها ولا تدعو محدودية التفكير وحب الظهور والتعلق بالثانويات تشغلكم عن الحق والوطن والحياة وتعشي عيونكم عن الحريق الذي لن يستثنيكم. يكفي تفريطا في الحرمات وصمتا عن المحرمات وكأنكم نسيتم أن لكم أمهات طاهرات يفترض انهن لا ينجبن غير الصالحين؟... "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُمَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم" فمتى تغيرون أنفسكم وما بها قبل ان يفوت وقتكم ووقتنا ؟!... أنتم الذين انكتب عليكم أن تكونوا شاهدا من حجر عبر التاريخ ومسلة للحق عبر الاجيال، فلا تكونوا بصمتكم مسندا للضلال.
رولا فايق نصراوين
rulanassraween@hotmail.com