قد يسأل الوشاة والعتاة وضاربي الطبل ، كيف نتحدث عن الأردن لأصدقائنا العرب عندما نلتقيهم ونتحاور معهم، ( هذا إن لم يجيبو ا عن السؤال قبل أن يسألوا ) .. نقدم الأردن على أنه وطننا الذي لا وطن لنا غيره ، وإن في هذا الوطن الكثير من الشرفاء والمبدعين..
وإن الأردن (ومنذ مؤتمر أم قيس ) ، قائم على فكرة مقاومة المشروع الاسرائيلي وإمتداداته اللاحقة .
ونقدم الأردن على أنه وطناً عزيزاً وغالياً على قلوبنا ، فلقد أنتج كتاباً للرواية والقصة القصيرة المتميزة وشعراء متقدمين بلغتهم ومخيلتهم ، وإن معظم الأردنيين عاشوا على ( الخبزة والزيتونة ) ليعلموا أبناءهم خارج الوطن وداخله ، وإن الأردني هو شريك للفلسطيني في الموت والحياة ، شريك له في الهم والغم والمصير والعدوان ، وإن النضالات المشتركة للشعبين ، فيها أبهى الصور ، إن كان قمعاً داخلياً ( الجفر يشهد على ذلك ) أو قمعاً خارجياً ...
نحن نقدم الأردن بأن شعبه متفق على عقد اجتماعي اسمه الدستور ، والاحتماء تحت مظلته لا يمنعنا من الحديث عن التخلف والفساد، ولا يمنعنا من فضح الوشاة والعتاة الصغار ..
نحن نتحدث عن الأردن بأن فيه أطيافاً سياسية من الأخوان المسلمين حتى الشيوعين، وأن الأردن أسقط حلف بغداد ، وأن الأردن معافى من الإعدام والتصفيات السياسية بالدم والموت، نقول ذلك وأكثر، دون أن نسخَّر ذلك القول كولاء للأفراد، بل انتماءً مطلقاً للمكان والزمان والفكرة ، نتحاور مع مثقفين عرباً كباراً ليرونا مدنيين بطبعنا وفكرنا وسلوكنا ، ونخلَّص من أذهانهم صورتنا المتخلفة الرعوية التي أسسها إعلامنا الرسمي خاصة المرئي منه .
أهل دمشق يعرفون الأردن من خلال غالب هلسة المبدع المنفي وعبر نضالات ضافي الجمعاني وغيرهما الكثير ، وأهل بغداد يعرفون الأردن من خلال منيف الرزاز وغيره الكثير ، وأهل لبنان يعرفون مؤنس الرزاز الروائي والمثقف الكبير ، والكتاب العرب يعرفون فخري قعوار رئيس اتحادهم لسنوات، والفنانون العرب يعرفون الأردن جيداً من خلال صلاح أبوهنود وصعلوكه عروة بن الورد المدهش ..
هذه أمثلة لا للحصر بل للتذكير ..
لكننا لا نستطيع أن نصمت عن المنتفعين والأفََاقين والنهَابين وأصحاب الضمائر الميتة..
ولا نستطيع ألا نقول في عصر العلانية، بأن لكل هؤلاء ثلة من الطبالين والزمارين وأصحاب حناجر تنشد ليلاً نهاراً وبصوت مبحوح(عاش مات )، وتنشد ليلاً نهاراً للذي يدفع أكثر .
لم أسمع أن هناك أردنيا واحدا، بأنه يتمنى للأردن الشر والهوان ، ولم أعرف أردنياً واحداً لم يقدم الأردن في المؤتمرات والمهرجانات العربية والدولية إلاَ بطريقة تليق به .
الأردن لا يتكون من كلمة واحدة أسمها ( يا سيدي ) و( حاضر سيدي ) ..
في الأردن كلمات كثيرة تعبر عن الشخصية الاردنية .. كلمات حقيقية مثل : يا صديقي ..يا رفيقي .. يا زميلي .. يا اخوي ..
في الاردن جماعات وأفكار ورغبة عارمة في التمدن والتحضر والتقدم ..
في الاردن جيل جديد ينتمي للمعاصرة وسلوكها ومعطياتها وأفكارها ..
الأردن ليس شيحان وقيصوم ، و(حطة حمرا) وحسب .
الأردن فيه باحثون ودارسون وشباب يقاتلون الزمن والبؤس والعادات البالية، ليصبحوا جزءًا من عالم متسارع يلحق به من يلحق، ويتأخر عنه من يتأخر ، ومن الأردن طاقات منتشرة في كل قارات العالم، يبحثون ويتعلمون لا ليعودوا .. ويروا أن الجدل ما زال قائماً بين ( بتحب الأردن ولّلا مابتحبة ) .
الأردن ليس معجزة سماوية ، بل هو بلد كسائر البلدان ، فيه من المنتفعين والكذابين وأصحاب الضمائر الميتة ما يكفي، وفيه من المحترمين والصادقين والمخلصين ما يكفي ، والحياة كفيلة بتوضيح وتعرية كل ذلك .
باختصار شديد نرى الأردن كالتالي :
أن الدولة الحديثة مهمتها الأساسية هي حفظ التوازن بين المكونات المختلفة للمجتمع، فالمجتمع في أي دولة يتألف من نسيج معقد من المصالح المتقاطعة، والدولة هي التعبير الموضوعي الذي يتمكن من تحقيق التوازن بين هذه المصالح المختلفة استناداً لمبدأ العدالة، وتأكيداً لمبدأ أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، ولا تستطيع الدولة في أي مجتمع تحقيق التوازن بين المصالح المختلفة إن لم تكن تعبيراً حيوياً وفاعلاً عن القيم العليا التي يؤمن بها مواطنوها، فالذي يميز السلطات في الدول عن سلطات القراصنة وعصابات اللصوص هو التوافق بين القيم العليا للدولة وقيم مواطنيها، وأي خلل بين هذه القيم يفتح المجال للعديد من المخاطر على الأمن والاستقراروالانتماء.
Faisalzouby@gmail.com