تحاول أغلب الأطراف الدولية الأوروبية و الأمريكية ممارسة الضغوط الاعلامية و السياسية و الاقتصادية و حتى الأمنية على الأردن عبر التلويح بتوظيف الجبهة الشمالية الأردنية ضمن السياق التحضيري للدخول في مرحلة التفاوض السياسي حول الأزمة السورية.
في اطار السعي الأمريكي للحصول على أوراق تفاوضية ضاغطة على روسيا يظهر سيناريو المنطقة العازلة في الأردن مجدداً. هذه الورقة توظف أمريكياً من أجل فرض الرؤية الأمريكية لشكل التسوية السياسية القادمة في سوريا, على طريق تهيئة المنطقة برمتها للتسوية الاقليمية الشاملة, و في سياق ذلك تأتي جولة كيري لإحياء المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية.
الدولة الأردنية معنية تماما باستيعاب شكل الضغوط المتعلقة بفرض المنطقة الانسانية العازلة و تعقيداتها, على الرغم من محاولات بعض الاطراف في الاوساط الاعلامية و شبه الرسمية -المرتهنة بتركيبتها السيكولوجية و العقلية للتبعية الأمريكية و المالية القطرية- للتأثير سلباً على الموقف الساعي لتجنيب الأردن مخاطر الانزلاق في مستنقع الأزمة السورية من أجل حماية المصالح الوطنية الأردنية العليا.
التوجه الروسي للانخراط الفعال في ملف اللاجئين السوريين في الأردن سواء عبر ارسال طائرة مساعدات او التبرع مؤخراً بمبلغ مليون دولار للصليب الأحمر, يشير الى رسالة روسية يجب التقاطها أردنياً. روسيا ترغب بحضور فعال عبر ملف اللاجئين و تعطيل توظيفاته التي بدأت منذ أشهر قليلة عبر تجفيف مصادر الدعم المالي للاجئين بهدف تحويلهم الى أدوات "انتحارية" ضمن المفهوم القطري للأزمة السورية. و الدليل على ذلك عودة آلاف من اللاجئين الى الأراضي السورية بعد تيقنهم من وصول الأمور الى طريق مسدود.
لهذا فان اعلان المنطقة العازلة في الأردن دون تفاهمات دولية و اقليمية و خاصةً المشاركة الروسية يضع الدولة الأردنية –بلا شك- في متاهات الأزمة السورية. الأمر الذي يشير الى استحالة التفكير في انتاج منطقة عازلة انسانية دون حضور روسي و توافق سوري.
على صعيد الداخل الأردني تظهر اليوم نقاط ضعف في اداء الدولة الأردنية لابد من التوقف عندها, خصوصاُ فيما يتعلق بقدرة الدولة على تحويل الأزمة الاقليمية الى قضية وطنية شاملة, و ذلك نتيجة لسياسة الاقصاء و استبعاد الفعاليات الوطنية العامة و عدم وضعها بصورة تطور الأحداث الأمر الذي أدى الى ظهور العديد من الاجتهادات و التبايانات بأوساط مؤسسات الدولة فيما يتعلق بالأزمة السورية و تداعياتها.
على ضوء ذلك فان بلورة استراتيجية وطنية شاملة لمختلف الاحتمالات و آفاق تطور الأزمة السورية يؤكد على الأهمية القصوى لضرورة إشراك مختلف الفعاليات الاعلامية و السياسية و الديمقراطية و الاجتماعية للمساهمة في حماية الأردن و تجنيبه مخاطر تطور الأزمة السورية و احتمالاتها المختلفة.