لم يكن اختيار أعضاء الفريق الاقتصادي في الحكومة الجديدة سهلا. عمليا، اختار ثلاثة من وزراء الرئيس عبدالله النسور مغادرة الدوار الرابع، هم وزير التخطيط والتعاون الدولي جعفر حسان، ووزير الطاقة والنقل علاء البطاينة، ووزير المالية سليمان الحافظ.
توجه الوزراء الثلاثة أعفى الرئيس من الحرج، لكنهم فضلوا الرحيل إدراكا منهم لمدى تعقد الملف الاقتصادي وصعوبته؛ ولمعرفتهم أن التحدي الحقيقي، ومعيار الفشل والنجاح، إنما يرتبط بعمق بالملف الاقتصادي.
البدائل كانت حاضرة. إذ دخل الحكومة، لأول مرة، الخبير الاقتصادي المرموق د. إبراهيم سيف، وهو المعروف بأن لديه وجهة نظر تتعلق بمعالجة مشاكل الاقتصاد، ويؤمن أن الحل لا يمكن أن يكون سريعا وبحاجة إلى خطط متوسطة المدى تمتد سنوات.
نظرة سيف بعيدة المدى مهمة، لكنها تشكل مفارقة مربكة مع شارع يتطلع إلى حلول سريعة، تترك أثرا على حياته، خصوصا أن الوزير يؤمن بأن العلاج جذري، ويقوم على إعادة النظر في هيكلية الاقتصاد، وصنع هوية له يظن أنها ما تزال مفقودة.
عاد أيضا وزير المالية الأسبق د. أمية طوقان بعد تردد كبير، ليشغل ذات الموقع من جديد. وقد وافق طوقان على العودة بعد ضغوط كبيرة تعرض لها، وكان خيارا ثالثا أو رابعا بعد أن رفضت تسلم الحقيبة أكثر من شخصية اقتصادية معروفة، تدرك تماما خطورة المرحلة وصعوبتها.
مهمة وزير المالية قد تكون الأصعب؛ فهو من سيواصل تنفيذ الاتفاقية الموقعة مع صندوق النقد الدولي. والتطبيق في ظل المرحلة السياسية الحرجة حالياً، بحاجة إلى مواقف صلبة، وإصرار على التطبيق. ثم من قال إن طوقان سينفذ اتفاقية لم يوقعها ولم يشرف على إعدادها، ووضعت من قبل سلفه سليمان الحافظ!
وزير الصناعة د. حاتم الحلواني أيضا ليست هي المرة الأولى التي يتقلد فيها هذا الموقع؛ فقد خاض التجربة منذ عقود، وأعادها في حكومة النسور الأولى، وبقي فيها ليشغل ذات الموقع مضافا إليه مهام وزارة التموين.
والحقيقة أن عودة "التموين" قصة بحد ذاتها، يلزم التوقف عندها؛ إذ كيف ينسجم أن تعود وزارة تتناقض فكرتها تماما مع النهج الاقتصادي الذي اتبعه البلد منذ أكثر من عقدين؟
المطالبات بعودة هذه الوزارة تنبع من اعتقاد شعبي بأن وجودها سيحمي المواطنين من ارتفاع الأسعار. لكن، هل من المنطق والممكن أن تعود الحكومة إلى سياسة التسعير، وشراء المواد الأساسية، أم أن "الردة" لوزارة التموين ليست أكثر من ذر للرماد في عيون النواب المطالبين بذلك؟
ملف الطاقة أكثر تعقيدا؛ فالوزير الجديد د. مالك الكباريتي، لا يمتلك الخبرة الكافية في مختلف الملفات، وتحديدا تلك التي تسير باتجاه التنفيذ، ومنها ميناء الغاز والنفط، ما سيعطل ماكينة العمل.
الأنكى من ذلك أن لدى الوزير مواقف رافضة لمشروع الطاقة النووي الأردني، فكيف سيتسنى له دعم المشروع والمضي في تنفيذه بعد رفضه القاطع له؟ أم أن هذا بات سُنّة في حكومات النسور، وهو الذي رفض قوانين كثيرة، منها قانون الانتخاب، قبل أن يعود ليطبقها هو بنفسه؟!
الفريق الاقتصادي عمليا يشمل أربع وزارات، هي: المالية، والتخطيط، والصناعة، والطاقة والنقل. وهذه التشكيلة لم تكن يوما مكتملة وقادرة على حل المشكلات؛ إذ كيف يتسنى حل المشكلات الاقتصادية ووزير (وزيرة) التنمية الاجتماعية المعني بملف الفقر غير حاضر، ووزير العمل المنوط به معالجة مشكلة البطالة مغيب؟!
وسط هذه التركيبة وهذه المعطيات، يبدو أن سير الملف الاقتصادي لن يكون أفضل من السياسي، ولا يبدو أن نجاح الحكومة مضمون.
يبقى القول إن حكومة النسور الثانية بحوزتها عصا سحرية قد تمكنها من النجاة، وانتزاع القبول الشعبي غصبا، وهي ملف محاربة الفساد، حتى لو لم تتمكن من إحداث أثر سريع في ملفات تعد أولوية مجتمعية، مثل الفقر والبطالة.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد